ما شأننا بمعتقداته الشخصية؟
قد لا أشعُر بالدهشة عندما يسأل شخصًا من ”عامة الناس“ شخصًا آخر مثقفًا، أديبًا، فنانًا، أو ناجحًا نجاحًا صارخا وصل به إلى مرحلة النجومية في أي مجال من المجالات عن توجهاته الدينية أو الطائفية بما يُشبه توجيه أصابع الاتهام، لأن اهتمامات ”عامة الناس“ يغلب عليها الطابع السطحي والتركيز على القشور والتفاهات، لكنني لا أتمالك دهشتي حين يجيب هذا النجم أو الناجح ردًا يُشبه محاولات الدفاع عن النفس بطريقة أو بأخرى، لأنني أعتبر مجرد الرد مهما كان نوعه يفتح بابًا للانزلاق في متاهات لا يليق بمثله السماح لذوي الوعي المنخفض بجرّه إليها.
ثمة فجوة زمنية وانسانية هائلة بين السماء التي وصل إليها هذا ”النجم“ في أي مجالٍ من المجالات، وبين طبقات الأرض المتدنية التي ظل المتشبثين بالقشور وسفاسف الأمور يسبحون في مُستنقعاتها، فهو يُرفرف بجناحيه في فضاءٍ رحب من الفُرص التي تفتح لمستقبله أبوابًا جديدة يحلم بها آخرون، وسفينة اجتهاده تتقدم بنشاط في بحرٍ من المشاغل التي تلتهم الوقت بما لا يتسع لإهدار الدقائق الثمينة على التفاهات، تقفز به نجاحاته إلى عالمٍ يوفر له إمكانية التعرف إلى أشخاص أكثر رُقيًا، وأماكن أكثر جمالاً، والتطوير السريع لمستوى وعيه الخاص وزوايا رؤيته للأمور، لقد انتقل من فصيلة ”الأرقام“ التي تسير على قدمين دون أن يراها أحد، أو يعبأ بها أحد، أو يهتم بها أحد، إلى فصيلة ”البشر“ المرئيين، المؤثرين، المحظوظين باهتمام الآخرين، والمُنجز الذي يُقدمه بوجوده في هذا العالم يجعل من مُعتقداته الخاصّة قضيّة هامشيّة غير مُستحقة للالتفات، فضلاً عن ”إطلاق الأحكام“ تجاهه بسببها.
للنجومية في الحياة مُعادلة معروفة؛ تقتضي المزج بين الموهبة والاجتهاد والإصرار وفريق العمل بنسب مُتفاوتة خلال فترة زمنية لتحقيق الهدف المنشود، ولا يزيد تلك المُعادلة أو يُنقصها التوجهات الدينية أو الطائفية الخاصة بهذا الناجح أو بأهله، هذا من جانب؛ ومن جانبٍ آخر كثير من أولئك الناجحين لا تهمهم تلك المُعتقدات أو التوجهات من قريبٍ أو بعيد، لقد صادف أن وُجدت في بيئتهم وأسرتهم حين وُلِدوا في هذا العالم دون أن يكون لهم الخيار، ودون أن يكون لهم حولٌ ولا قوّة تجاه هذا القدر، وهي تبقى معهم ليست ك ”مُعتقد“ يقف حدًا فاصلاً بين الموت والحياة؛ بل كشكلٍ من أشكال تفاصيل الحياة اليومية المُعتادة، مثل طريقة الأكل والشرب والنوم والاستحمام، والأمر لا يهمهم كثيرًا مثلما يُهم الفارغين والسطحيين ممن يملكون وقتا يستحق التبذير والإهدار على المُقارنات.
سؤالُ نجمٍ من نجوم الفن، الثقافة، الأدب، الفكر، الرياضة أو الاقتصاد المشرقين بجهودهم في مجتمع من المجتمعات عن توجهاتهم الدينية أو الطائفية الشخصية لا يكمن وراءه إلا عقلاً خاويًا، ورغبة مسمومة في تجنيد تيّارات من الحقد والكراهية الجمعية في المجتمعات غير الواعية ضد هذا الإنسان الناجح بهدف إسقاطه وتأليب جماعات من السطحيين ضده دون سبب.. السبب أنه ينتمي لهذا الدين أو تلك الطائفة؟ وماذا يضرك أنت بوجه شخصي من أمرٍ كهذا؟ هل تتصور أن وجود آخرين بأفكار مختلفة عن أفكارك هو مرضٌ مميتٌ أو وباء قد يؤدي إلى هلاكك مثلاً؟ يجب أن تخجل من نفسك!
الرد على هؤلاء لا يعدو عن كونه نزولاً إلى حضيضهم، ومشاركة إياهم في خبلهم وتفاهتهم، والأجدر بشخصٍ نال نعمة التألق رغم وجود أمثال أولئك الحقودين الحاسدين أن يقلب عليهم الصفحة، مُتجاهلاً حروبهم الرخيصة، ومكائدهم الكلامية المُستهلكة، ولا يجعل لهم وزنًا بالرد ومحاولة تبرير ما لا يستحق التبرير.