النرجسية و«عصيدة الماما»
أن تجلس، لتتناول صحنًا من ”عصيدة الماما“، يعانقها فنجان قهوة عربية، لهو اشتهاء المساءات، ودفء العشق الندي، الصادق، البهي، كبهاء ما تكنزه الأم بداخلها من الحنان. كل معطيات الأم في احتضان فلذة كبدها، لا تعتريها النرجسية، لتؤطرها، كمحورية تعاملية، لتعشق ذاتها، بقدر أنها تبصر العشق بين مسافة البصر في أحداق أسرتها، لتعيشه عشقًا، تتشربه في كل لحظاتها. وعليه فإنها - الأم -، لا تتسلق، لتريح ذاتها على حسابهم - الأسرة -، ترقى من خلال رقيهم، تسعى لأن تجعلهم، يرتقون وإن كان على جراحها وآلامها، سهر الليالي، البذل والعطاء اللامتناهي، ديدنها.
جاء في تعريف مفهوم النرجسية، بأنها تُعنى بحب النفس أو الأنانية، تبيانًا بكونها تأتي اضطرابًا في الشخصية، حيث يكتنفها الغرور، التعالي على الآخرين. إنه لمن المحزن المضحك، أن يعيش الإنسان النرجسية، ليرى ذاته مختلفًا عن الآخرين، مشمرًا عن ساعديه، في إقصاء الآخر، في ارتشاف المديح، ليدغدغ مشاعره، ليري لغة الأنس، تتعتق في اعوجاج المسافات. إن النرجسية، مدعاة لشهرة لا تنتمي لعنصر الزمكانية إلا بعض وقت، لتجدها كما تذروها الرياح، حيث لم تكن ذات يوم، كمتعة.
يقال: إن الإنسان، يحتاج لآخر يفهمه، يتقن ضوء البصر، يقرأ أحرف العقل، يرتشف نبضات القلب. حينها ستشعر حقًا، كأنما جالس، تداعب ”عصيدة الماما“، وارتشاف فنجان قهوة عربية، لتكون في بيئة صحية، تعمل بجد واجتهاد، تحدق في الغيمات الزرقاء، تمد راحة كفيك، لتعانق قطرات المطر، زهواً طريًا، تستمتع بالأجواء اللطيفة الحس، لا قلق يعتريك، لا هم أو نكد، تجعل من الابتسامة رفيقة درب، تناغيها وتناغيك، تشتاقها وتشتاق إليك، تعيش الحب والعشق مع الآخر. كم جميل أن يعيش الإنسان برفقة أقرانه، برفقة الآخرين، متزودًا بقلب الأم الحنون، ارتعاشات أناملها، شفتيها حين تنفرجان، لتمنح الاطمئنان، نظراتها حين تبكي، حين تسعد. وعليه فإن ابتهاج الفؤاد، أن تصغي للآخر، كسيمفونية جمالية الإصغاء، لا أن ترسم كل الجماليات، لدى الآخرين، من خلال اللون الأسود، ثمة لون ”كعصيدة الماما“، يبعث في عينيك الأنس، حيث النرجسية في الغياب.