السعادة الأبدية
اختلف الفلاسفة كثيراً على كل شيء تقريباً، حتى على وجود الله سبحانه وتعالى، ولكن لم يختلفوا على شيء واحد وهو أن السعادة تأتي من العطاء وليس من الأخذ، نحن المؤمنون سعادتنا ليست مقتصرة على هذه الحياة الفانية، بل سعادتنا كلها والأبدية تكمن عند دخول الجنة، وهذا ما يجعلنا نتميز عن الآخرين الذين يقصرون سعادتهم بالسعادة في الحياة الدنيا الزائلة، علينا أن نعي أن السعادة لا يمكن أن تكون في المال أبداً، لكنها تكون سبباً في السعادة، وهنا أذكر في إحدى المقابلات التلفزيونية الأمريكية في مهاتفة لمليونير تم سؤاله في آخر اللقاء هل أنت سعيد؟ فقال: ما هي السعادة؟ وأغلق الهاتف.
يسعى كل إنسان على وجه البسيطة إلى السعادة، فرغم اختلاف الناس في مذاهبهم وأعراقهم، ومشاربهم ومبادئهم، وغاياتهم ومقاصدهم، إلا أنهم يتفقون في غاية واحدة إنها طلب السعادة والطمأنينة، لو سألت أي إنسان لمَ تفعل هذا؟ ولأي شيء تفعل ذاك؟ لقال: أريد السعادة! سواء أقالها بحروفها أم بمعناها، بمدلولها أم بحقيقتها. إن السعادة كلمة خفيفة على اللسان، حبيبة إلى قلب كل إنسان، وهي شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، وما من إنسان إلا وهو يسعى إلى تحقيقها في حياته، فأكثر الناس يظن أن السعادة في المال والثراء، ومنهم من يتصور أن السعادة بأن يكون له بيت فاخر وسيارة فارهة، ومنهم من يعتقد أن السعادة في كثرة الأولاد والأحفاد، أو تكون له وجاهة في المجتمع، أو يتبوأ أعلى المناصب، ويظنها البعض الآخر بأن يتزوج امرأة ذات مال وجمال ودلال... وللناس فيما يعشقون مذاهب.
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
لقد جاء الإسلام بنظام شامل فوضع للإنسان من القواعد والنظم ما يرتب له حياته الدنيوية والأخروية، وبذلك ضمن للإنسان ما يحقق له جميع مصالحه الدنيوية والأخروية، فقد جاء الإسلام للحفاظ على المصالح العليا والمتمثلة في الحفاظ على: النفس والعقل والمال والنسل والدين. فالسعادة في المنظور الإسلامي تشمل مرحلتين:
1 - السعادة الدنيوية: فقد شرع الإسلام من الأحكام ووضح من الضوابط ما يكفل للإنسان سعادته الدنيوية في حياته الأولى، إلا أنه يؤكد بأن الحياة الدنيا ليست سوى سبيل إلى الآخرة، وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى إليها الإنسان هي حياة الآخرة، قال الله تعالى: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾.
وقال تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا﴾. وقال تعالى: ﴿فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾.
2 - السعادة الأخروية: وهذه هي السعادة الدائمة الخالدة، تترتب على صلاح المرء في حياته الدنيا قال الله تعالى: ﴿الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾، وقال تعالى: ﴿للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين﴾، إذن تحقيق السعادة يكون في الرضا والصبر والتسبيح بحمد الله، والعفو عن الناس والأمر بالمعروف، والإعراض عن الجاهلين.
واسمحوا لي في نهاية هذه المقالة أن أدلي بدلوي في فهمي الخاص للسعادة، رؤيتي للسعادة: السعادة هي استعداد النفس للحياة وتقبلها بسرائها وضرائها، والانتصار عليها، والعمل الدؤوب الدائم حتى يلقى الإنسان الله وهو راض عنه.
يقول الشيخ علي الطنطاوي: «إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها... سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن كانت أفكاركم دائماً مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بَلِيَّة، فكنتم رابحين في الحالين، ناجحين في الحياتين».
أرجو أن أكون قد وفقت في وضع ملامح للسعادة وأسأل الله لي ولكم سعادة الدارين.