أسئلة جديدة.. أجوبة قديمة!!
من الأشياء التي تثير الانتباه والحيرة اصرار البعض على اعادة انتاج مفاهيم قديمة بلغة معاصرة، أو ما يتوهم لهم أنهم نجحوا في تقديم المنتج القديم بصورة جديدة، ولا يخطر ببالهم أنهم أغفلوا جانبا مهما وهو أن لكل فهم ظرفه التاريخي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي الخاص به ولا يمكن فصل ذلك الظرف عن محيطه الذي نشأ فيه، يحصل هذا لدى البعض بسبب سيطرة الايدلوجيا وقد تكون أغلال أخرى!.
بسبب هذه الازدواجية يظن البعض أن أجوبة القدماء كافية لحل المشكل الراهن وهذا ما يحاول أصحاب النزعة التقليدية في العالم الثالث تقديمه على أنه الحل الذي ينتشل هذا العالم من بؤسه وتخبطه مع أن الواقع يقول غير هذا، حيث لا يكفي أن تقتطع نصّا من عند القدماء وتأتي به على أنه فتح عظيم قادر على تغيير الواقع فقط لأنك صغته بلغة معاصرة لكن المضمون لم يتغير ما تغير هو قشر النص لا محتواه، وهنا تكمن الاشكالية في مثل هذه المحاولات التي يتوهم صاحبها أنه قدم جديدا لكنه في الحقيقة لم يقدم غير ذلك التخلف القديم لكن بشكل وصورة معاصرة.
في كتابه مفهوم العقل نرى الدكتور عبدالله العروي يشير إلى هذه الاشكالية بدقة الناقد الحصيف حيث يقول معلقا على هؤلاء: ”يعودون مباشرة إلى المؤلفات القديمة، يقرأونها في نطاق معارفهم الراهنة، فتأخذهم الدهشة مما يلاحظون من توافق ظاهر بين أحكام القدامى وتحليلات المحدثين. إلا أن التوافق كثيرا ما يكون من صنع القارئ، إذ يقوم بترجمة لا واعية من لغة قديمة إلى أخرى معاصرة“.
ومما يزيد خطابنا الراهن تخبطا أكثر هو الأسئلة المعقدة التي ينتجها هذا العصر بكل ما فيه من ثورة في المعرفة والعلم إلى شتى الأمور الحياتية الأخرى، واصرارنا على التمسك بالماضي والانحباس فيه حيث يجعلنا غير قادرين على تقديم أجوبة تناسب الواقع الذي نعيشه ونتمناه، اعتقد سبب تعثرنا في تقديم أجوبة مقنعة لهذا العصر هو بحثنا عن أجوبة لهذه الأسئلة عند الأقدمين، وهذا ما يجعلنا نتعثر أكثر لأن الأجوبة التي نبحث عنها ليست في الماضي بل هي بين جنبينا بل هي أقرب من ذلك، فقط نحتاج إلى البحث عنها وفق معطياتنا نحن وليس وفق معطيات القدماء.
نختم بما يشير له العروي في كتابه مفهوم العقل إلى الإطار الذي تنشأ فيه المسألة ومدى ارتباطها بالظرف الذي تنشأ فيه حيث لا يجدي تقديم إجابة لها في زمن غير زمانها: ”فيتبادر إلى الذهن أن الجواب القديم كاف لحلها، ظنا أنها لازالت تطرح في نفس الإطار. إلا أن الإطار قد تغير فأصبحت المسألة تشير في الواقع إلى تجربة جديدة، وبالتالي تتطلب جوابا يختلف تماما عن القديم“.