حفلة عيد ميلاد محزنة جدا!
حضرتُ مؤخرا حفلة عيد ميلاد لطفلين توأمين، بنت وولد، احتفاء ببلوغها الخامسة من العمر، لكنني لم أستطيع إكمال الحفل، لشدة ما رأيت من مظاهر عنف لفظي وبدني، بحق الطفلين المحتفى بها، وأثناء الحفل نفسه!!، وسبب مغادرتي هو الشعور بأن مجرد بقائي هو رضا ضمني بما يجري من تعنيف قاس للطفلين البريئين.
وحتى أضع السيدات والسادة القرّاء في أجواء ما جرى. بداية كان الحفل في احدى القاعات المخصصة للاحتفالات، والتي أشيد بجمالها وقدرتها على شد انتباه الكبير قبل الصغير، للتفرج واللعب في أركانها الملونة والجذابة بحق، ما دفعني أنا نفسي لتجربة بعضها، واللعب فيها. وقد كان أول ”الغيث“ حين دخل الطفلان القاعة الأنيقة رفقة والدتهما، فأخذت علامات الدهشة والانبهار ترتسم على وجهيهما تلقائيا، فصاح الولد بكل براءة «وااااو.. المكان جميل» وإذا بالأم تنتفض وتنهره قائلة: كم مرة قلت لك بأن تتصرف كالرجال وليس كالأطفال!!
من جهتي حاولت أن أتجاهل الموقف وأدعي عدم الاستماع لتوبيخ الأم، لكني صدمت مرة أخرى، حين رأيتها تفرك أذن صغيرتها التي حاولت الاقتراب من مجموعة من البالونات الملونة المركونة جانبا، وخاطبت الأم صغيرتها موبخة: هل أنت امرأة أم طفلة! ألا تذكرين القاعدة التي علمتك إياها «الأدب واجب»! وكررت عليها القول: الأدب ماذا؟ لترد الطفلة ببراءة وقد تركت البالونات «واجب يا أمي»!! كانت هذه افتتاحية هذا الحفل!.
وقد تكررت المواقف المؤسفة خلال الحفل. على نحو كان يعاقب فيها الطفلان المحتفى بهما بين الفينة والأخرى، وأمام الجميع، بالصراخ تارة وبالضرب تارة أخرى، ولا أبالغ أن قلت ان عدد المرات التي ضربا فيها بلغت حد العشرين مرة، في حفل حضرت وقتا قصيرا منه، ولم أتحمل البقاء حتى نهايته!
في الحقيقة اجتاحتني الرغبة في أغير البطاقة التي أرفقتها مع الهدية التي احضرها للطفلين، لأكتب رسالة للأم، بدلا من عبارات التهنئة، ومفادها بأن لا داعي لكل هذه الخسائر المالية التي أنفقتها على الحفل، إذا كان هذا أسلوبك التربوي مع أطفالك! لقد كان من الأجدى إقامة حفل بسيط لوحدكما، على الأقل حتى لا يتفرج المدعوون على فنون الضرب ومختلف عبارات التأنيب والتوبيخ التي نزلت كالمطارق على رأس الطفلين، وهذا أسلوب في التربية ما أنزل الله به من سلطان!.
دعني أقول في هذا الصدد بأنني «قد» أتفهم بعض الحالات التي يمكن أن يجد المربي نفسه مجبرا على استخدام بعض الشدة حينما ينفذ صبره وتنتهي كل محاولات علاج السلوك الخطأ الصادر عن الطفل؛ لكن ما لا «ولن» استوعبه، هو ضرب الطفل بمجرد التعبير عن فرحته! بحجة أن الرجال لا يضحكون! أو نهر الطفل حين وقوعه على الأرض لأن الرجال لا يبكون! ولا أملك إلا القول: أعان الله الطفل المسكين. فلو كنت مكان طفلها لاحترت في أمري كيف أرضي هذه الأم التي لا تفقه في التربية شيئا!.
المؤسف في الأمر أنه على الرغم من أن القصة مؤسفة بكل ما فيها، إلا ان الطفلين هما من الأذكياء حقا، أقول ذلك بحكم معرفتي الوثيقة بهما، فهما يتمتعان بالكثير من المميزات الجميلة التي تجعلهما محبوبين حقا، فعلاوة على الذاكرة القوية التي تميزهما، فقد حباهما الله بموهبة لافتة جدا في الإلقاء والتقليد، كما تتمتع البنت بموهبة الرسم المتقن جدا، ولا أدري كيف لهذه الأم أن تتعامى عن كل هذه المميزات الرائعة في الطفلين، وتنظر فقط إلى ما يبتدعه خيالها من عيوب وهمية تحاسبهما عليها!
ولا أبالغ أن قلت أنني أشفق على هؤلاء الأطفال الذين ينشئون تحت سيطرة عائلة ترى في التعبير عن المشاعر ذنبا لا يغتفر، وجرما يستحق العقوبة، ففي الوقت الذي تنادي فيه أساليب التربية الحديثة بضرورة إتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم؛ نجد أن هناك امهات جاهلات قد يرين في الابتسامة منافاة الأدب!
وختاما، نصيحتي لكل أم وأب، بأن يشجعوا أطفالهم على التعبير عن مشاعرهم، وأن يحتضنوا هذه المشاعر قبل أن تتحول إلى أحد آخر قد يتعلموا منه ما لا ترضون، ولا ترموا عليهم عقدكم النفسية، ولا تقيدوا أطفالكم بمفردات وعادات تدفن شخصيتهم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم، كما يقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب !.