آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

ألفْ وَواحد

تتكررُ أرقامٌ في اللغاتِ والمجتمعاتِ والديانات. بعضها له دلالةٌ على معنى والبعض يَخفي سره وراءَ الرقم. السبعةُ والعشرةُ والأربعينَ والاثنا عشرَ إلى ما هنالك من أرقام. من تلك الأرقام ما تقوله العرب وهو ”رجلٌ بألفٍ وألفٌ برجل“ وهذه الأرقامُ تحمل في ظاهرها كبر الرجل أو صغره في الأداء والقيمة بكل دلالاتها.

نتذكر الرقمَ ألف عندما نقوم نحن الصغار في ربيع العمر بتخريبِ ما يفعله الكبار، يعجز الكبارُ عن إصلاحه ويضيقونَ ذرعاً بملاحقتنَا. كانوا يقولون ”ألف عمَّار ما يقدر على خرَّاب“، بكل بساطةٍ ما يقوم به الفُ شخصٍ من إعمارٍ يستطيع شخصٌ واحد أن ينقضه ويخربه. لو كانوا يريدون التفصيلَ لقالوا التخريب يكون أقلَّ كلفةً وأسرعَ في التنفيذ من الإعمار، والإعمارُ بعد الخراب يكون أكثرَ كلفةً، ولكن جَزَالَةٌ المثل في قلة كلماته. كانوا يصرونَ أن يضعوا الشدّةَ على حرف الميم في عمَّار وحرف الراء في خرَّاب وذلك للمبالغة في إبراز النقيض وأسماء الفاعل مع أن الأطفالَ ليسوا إلا أرواحاً بريئةً تلعب وتكبر.

يكون الدهرُ في العادةِ عقيماً ولا يلد الواحدَ بالألفِ إلا ما ندر ولكنه قد يكون ولاَّداً للكثير من الألف بالواحد. تتضاعف قوةُ التدمير في العصر الحديث ويعلو نوحُ البشرية لأن أشخاصاً قليلونَ يستطيعون تدمير ما بناه مجتمعٌ أو بنته دولٌ في سنواتٍ كثيرة. لا يقتصر التخريب على هدم الحجر ولكنه يمتد إلى الفتك بالبشر والبيئة وإعادة عجلة البناء في جميع المجالات والأنكى زرع الميول لذاتِ الرغبة في جلب الغيوم السوداء في القادم من البشر. أرواحٌ تتمرد وتضع الحياةَ تحت أقدامِ الموت!

يحتاج الإعمارُ إلى ثرواتٍ وعقولَ وسواعدَ تبني ومهاراتٍ وصبرٍ وجلد وفوق هذا رغبةً في الصعود إلى سفح القمم الانسانية وحب الحياة في خدمة الغير والحفر على جدار الحضارة. أما التخريب فلا يحتاج سوى معول ويد فارغة وعقل لا يرتضي سوى أوديةَ الوحلِ وكرهَ الحياة وتوقاً للفناءِ والإفناءْ. يرتضي من يدفع للخراب أن يعيشَ في بؤسٍ صَنَعَهُ وجَلَبَهُ لنفسه فقط ليرضي في نفسه طاقةَ التعاسةِ المدمرة.

إن انت صغيرٌ وسمعت هذا المثل من أمك فتذكرعندما تكبر أن الإنسانيةَ تحتاج كُلَّ مصلحٍ لتنجزَ ما أوكلها الربُّ بإنجازه. إن كانت شعلتك توقد ألفَ نارٍ خيرة فأنت الذي ترجوه كُلُّ أمٍّ وإن لم تكن ذاك الشخص فلا تكن ممن تصيبه لعنة الأمِّ والتاريخ.

إننا عندما نولد لا تولد معنا إرادة الشر. نولد وأنفسنا نقيةً صافيةً ولكنها كما إرادة الخير نستدعيها بأقوالنا وأفعالنا ورغباتنا وهي تستجيب لنا. نكبر ونبني لنا وللإنسانيةِ صروحاً أو نهدم العروشَ التي يبنيها الآخرون. من يعمر الحياة ويبنيها هو الرابح دوماً بمنطق الكبار الذي يقول "الخير يخص والشر يعم" أو بمنطق الرب الذي يقول "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ? وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سهام البوشاجع
[ المملكة العربية السعودية -الدمام ]: 10 / 2 / 2018م - 9:49 ص
أحسنت وبورك قلمك بالفعل البناء صعب لا يقارن بالخراب
مستشار أعلى هندسة بترول