التَصحر الروحي
يتجاذب الانسان قطبان متضادان في صفاته وأفعاله، قطب سالب وقطب موجب. وهذه القطبية تتسم بالتضاد الكلي كالصفر والمائة بمقياس المئوية فالقطب السالب على سبيل المثال يمثل الكفر المحض والبغض المحض والبخل المحض وجميع الصفات والسلوكيات السيئة، بينما القطب الموجب يحد الصفات الإيجابية النقية كالإيمان المطلق والحب الخالص والسخاء الغير محدود وجميع الصفات والسلوكيات الإيجابية.
يعيش معظم الناس حياتهم بأكملها دون أن يلامسوا أحد القطبين بحيث تكون الحركة بين القطبين طبيعية ما لم تلامس أحدهما وخاصة القطب السالب وهو الذي يسهل ملامسته بحسب قانون الجاذبية في السقوط النفسي كما في السقوط الجسمي. يتكون سلم السلبية من درجات من التسافل ويشكل بدرجاته السلبية سلم التصحر الذي يدفن تحت رماله القيم الروحية مما يؤدي الى تصحر في الممارسات السلوكية الإنسانية والنزول على درجات هذا السلم لا يأتي غالباً دفعة واحدة بل على دفعات فمن النادر أن يتحول الناسك العابد إلى لص وقاتل بين ليلةٍ وضحاها بل يأخذ في الهبوط الى القاع شيئاً فشيئاً.
أما القطب الموجب فملامسته تحتاج إلى جهد لا يتوفر بالعادة عند عامة الناس ويجمع بين فضائل الروح والجسم والسعادة المادية والمعنوية. وكما السقوط درجات فالارتقاء درجات فلن تورق الشجرة قبل اخضرار عودها وصعوبة الصعود تأتي كونها حركة روحية وجسمية في الى السمو الذي يعاكس قانون الهبوط الذي لا يحتاج الى بذل جهد ومقاومة. فمثلاً لو اجتمع في صفٍّ طالب متميز مع آخرين غير عاديين فمن الاسهل دفع الطلاب العاديين الطالب المتميز الى الأسفل وليس العكس، أي يرتقي الطالب المتميز ببقية الصف الى حيث هو!
وكما يعتبر التصحر المادي مشكلة عالمية تعاني منها العديد من البلدان الذي أدى إلى تناقص في قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض وتدهور خصوبة الأراضي المنتجة بالمعدل الذي يكسبها ظروف تشبه الأحوال المناخية الصحراوية، فإن التصحر الروحي للإنسان ليس أقل فتكاً إذ أدى الى انتشار العنف والكراهية لجميع ما هو حي وحتى الجماد وجرفت موجات التصحر ما بناه الانسان منذ آلاف السنين من حضارة وتاريخ وبناء مادي.
ومن أسوء مظاهر هذا التصحر هو تغوله واستيلاءه على العاطفة والتراث والعادات القيمية واختفاء التراحم. فقط لننظر حولنا ونرى كيف تتعامل الأفراد والمجتمعات والدول مع بعضها، فالمبدأ لا يعدو كون الغاية تبرر الوسيلة ومن الطريف أن مقياس ومعيار الاخلاق أصبح بين السيء والأسوأ وليس بين ما هو جائز وبين ما هو غير جائز، حينها يبدو كل شيء سيئ وفعلٌ قبيح جميلاً...
فكما هو من الطبيعي مقاومة التصحر البيئي، تجب مقاومة التصحر الروحي وطرق المقاومة هي ذاتها والتي تتمثل في مقاومة التعدي الجائر على القيم بكافّة الوسائل الممكنة والمتاحة، وقد يحتاج الأمر إلى تدخل حكومي، كما في التصحر البيئي، للحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة. التصدي للرمال التي تنتقل من مكان إلى مكان آخر لا يختلف عن التصدي للتصحر الروحي العابر للقارات، ويكون ذلك من خلال الإكثار من الأغطية الروحية الخضراء التي تقف في وجه مثل هذه الظواهر. زيادة الوعي والاهتمام بين الناس، وتدريب بعض الأشخاص وتوزيعهم في كافّة مناطق العالم التي يحيق بها هذا الخطر من أجل معرفة ومكافحة التصحّر بالشكل الأمثل. كما يمكن الاستعانة التقنيات الحديثة من أجل تحديد البيئة التي تتعرّض لهذا الخطر من أجل السيطرة عليها وتدعيمها.