الذوق هو قمة الأخلاق وعطرها
يستطيع الإنسان بمراعاة مشاعر الآخرين أن يحقّق نجاحاً اجتماعياً في التواصل.
وقد روي عن الصادق عن الرسول الأكرم ﷺ قوله: "مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش".
التفت الى قلمي يوماً فوجدت انني احبه، ليس لشيئ ما إنما لآنني وهبته قليلاً من روح الذوق التي زرعتها بداخلي. إنني سأجعله قلماً مختلفا حتى وان اراد البعض تهميشه. سأجعله مثل روحي يشع بانقاء الكلمة وصفاء الحرف.
فعندما امسك بالقلم تكون الحروف هي نبضات قلبي وتكون الكلمات هي خيوط احاسيسي والصفحة خليط من العبارات التي تنبع من روحي، أقلامنا نصف اجسادنا اقلامنا هي بحر العقول التي تسكننا فلنجعلها تتسم بالذوق ايضا.
وانا اخاطب الجميع من خلال قلمي ليسطر حروفاً تسكن في قلوب الجميع. فسوف اغرد بقلمي طالما هناك قلوباً ستقرء وتستفيد.
لنتحدث في هذا المقال عن الذوق العام الذي هو من اهم ارتقاء الامم ونهضتها في الحياة. لكن
عزيزي القارئ. هل تعلم بمدى اهمية الذوق في حياتنا؟
الذوق هو قمة الأخلاق وعطرها ونفحاتها، تتجلى في تعاملات البشر وأحاديثهم التي تنطوي على اجمل المشاعر والعواطف.
الذوق هو حاسة معنوية تدل على الاعتدال في المزاج وكمال العقل ورجاحته وبعد النظر ونباهة في النفس، شعور اجتماعي مجيب يدعو صاحبه لمراعاة مشاعر الاخرين وظروفهم وأحوالهم ممايقريه لنفوسهم ويكسبه تقديرهم واحترامهم.
الذوق هو احترام النفس واحترام الآخرين وحسن التعامل معهم، والآداب الإجتماعية والآداب السلوكية واللباقة وفن التصرف على قواعد إنسانية لا تختلف مع إختلاف الثقافات والعادات والأديان.
إن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الذوق فطرة بشرية جميلة، لكن من الممكن أن تنطمس معالم هذه الفطرة وتصبح أثراً بعد عين إذا ما تحقق هذا الثالوث وهو «افتقاد القدوة العملية، الغرور ولتكبر ولتعالي، الفقر والجهل».
هذه أضلاع ثلاثة. تطرد مجتمعة أو متفرقة، الذوق عملياً من سلوك أي مجتمع، وإن بقى الحديث عنه نوعاً من الترف يُمارس بين الحين والآخر، فكيف نربى أولادنا على الذوق بينما تخترق آذانهم وعيونهم وقلوبهم تلك المشاهد التي يذبح فيها الذوق ذبحاً من خلال تصرف من حولهم المتمثل في الاسرة الاجتماعية؟
كيف يتعلم ابنائنا معنى الذوق، بينما صورته بعض الأفكار على أنه نوع من الخيبة، وقلة الحيلة من خلال التكريس لمفاهيمه «الفلسفة والمبالغة» وغيرها من عادات قبيحة تحكمت في كلماتنا وأفعالنا؟ كيف تقيم أولادنا للذوق وزناً بينما لا نضحك فرحاً إلا من إتيان نقيضه؟.
هذه المفاهيم غابت عنها لغة التسامح، وانعدمت لغة الحوار ليحل محلها لغة الفوضى، وقلة الذوق، وسوء الأدب، ومخالفة السلوك العام، وشاعت بشكل لافت ثقافة التربص بالأخر والفوضى العنترية مصحوبة بسلوكيات انفرادية احياناً سببها انعدام التربية الأسرية والأجتماعية والتي تفرز لنا نمادج سيئة تعكر صفو بياض وصفاء هذه المنطقة.
فقد غابت أدبيات التعامل مع الناس جمال التعامل بأشكاله المتعددة النفس المرهفة الجميلة الموقف الجميل التصرف الجميل، الحركة الجميلة، اللمسة الجميلة، الكلمة الجميلة، جمال النظام، جمال النظافة جمال الأناقة، جمال التناسق والانسجام، جمال في البيت، جمال في مكان العمل، جمال في الطريق، جمال في الأماكن العامة. النفس الشفافة التي تفهم الخطأ، وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين، وابتسامة الوجه. كل هذه الادبيات مفقودة في مجتمعنا.
إن الذوق العام يعانى خطراً محدقاً، وما المشاهد المؤسفة للتلوث السمعي والبصري والروحي إلا دليل حي على فقدانه وغيابه من واقعنا الاجتماعي الحاضر.
هل رأيت سيل الدرجات النارية والسيارات وهى تكسر كل قواعد أ نظمة المرور، وتملأ الأرض ضجيجاً عبر أغاني السوق المشهور حتى في منتصف اليل وعند الفجرة؟
هل رأيت مكبرات الصوت في الاحياء تزعج السكان دون مرعاة لمريض يريد ان يرتاح من الالم او طالب يستعد ويتهيئ للامتحان؟
هل رايت رمي السجائر من السيارة أو أوراق المحارم، وعلب المشروبات الغازية في الشوارع أو الأماكن العامة، وترك الحدائق والمتنزهات بمرافقها العامة في قمة القذارة بعد الجلوس والتنزه فيها والاستمتاع بها ومعاملتها بكل قسوة؟
هل رايت ايقاف السيارة امام بيت الجيران والذي يرا صاحب السياره ان امام بيت لجيران هو المكان الانسب بحجه توفر الظل؟
هل ريت ايقاف الباصات والشاحنات والسطحات وغيرها من وسائل النقل الثقيلة في الاحياء السكنية وامام المنازل او عند جوانب الحدائق العامة والكورنيش؟
ظواهر نراها تتكرر يوميا في مختلف الأماكن، سلوك يدل على أنانية مفرطة، ونقص حاد وخلل في التربية الأخلاقية والاجتماعية، وعدم تقدير للحياة والمجتمع، أو احترام الآخرين وحفظ حقهم في مجتمع نظيف وحياة راقية في مختلف المجالات.
لك أن تضع ألف هل وكيف مرات ومرات، وكل واحدة منها تبحث عن حل، والأدهى أن صارت كل هذه السلوكيات السيئة حقاً مكتسباً يدافع عنه صاحبه بضراوة واستماتة، تحت مبررات لا أصل لها.
فكيف تمضى الحياة على هذا النسق المتعجرف؟ من أجل ذلك فإنه من الأهمية القصوى أن نعيد ضبط كلماتنا وآرائنا وتصرفاتنا على ميزان الذوق، حيث لا غنى أو استغناء لأي مجتمع يسعى إلى ترسيخ قيمة الإحساس بالجمال، والحرص على الممتلكات العامة، والإبقاء على البيئة نظيفة جميلة بلا تلوث، من ممارسة الذوق كسلوك عملي في كل مناحي الحياة.
إن الإسلام جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها، فالإسلام هو الحياة الكاملة
والإنسان المتديّن الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا فهو حريص على هذه العبادة، ولكنه لم يفهم أن الذوق جزء أساسي من أخلاق المؤمن.
وأن الله لا يرضيه أن يؤذي الناس بكلمة أو بتصرف، فإذا عامل الناس بغلظة وبشيء من عدم الذوق فتكون النتيجة أنه يفتن الناس عن دينهم. فيصبح تديّنه سببا لبعد الناس عن حياة التدين وتجد من حوله يقولون: منذ أن تديّن أصبح فظا غليظا غير مهتم بمظهره.
ينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع:
يقول الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ..﴾.
وقال رسول الله ﷺ: ”أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض“.
أن المشكلة الأساسية التي نواجهها في مجتمعنا غفلة الناس عن حقوق الآخرين، أيا كان ذلك الآخر مواطناً اومقيما.
إن بعض الناس لا يزال لا يجيد التفرقة بين حقه كفرد يزاول ما يحلو له في أي وقت أراد، وبين وجوده في منظومة اجتماعية، تحتم عليه تقدير وإجلال من هم معه داخل هذه المنظومة، من ممتلكات عامة واهليه ورموز وأفراد، فهو يمتلك حجة الحرية، التي قد يقف بها أمام كل شخص، وغفل ركنا مهما من أركان الحرية، وهي المحافظة على المنظومة الاجتماعية،
لا شك في أننا جميعنا نبحث دائمًا عن أسلوب حياة يضمن لنا السعادة، لذلك يجب ان نحرص دائماً على اتباع قواعد الذوق وآداب المعاملة في كل شيء في حياتنا. وللتعامل مع الجيران ولبناء علاقة طيبة معهم يجب أن تعلم ياعزيزي أن الاحترام والود وحسن التعامل من أهم الأصول التي يجب أن تبنى عليها العلاقات الاجتماعية.
إن الحديث عن الذوق العام هو حديث عن المثالية في المجتمع، ولا تعني المثالية الحرص على الأعمال التي تكون في عداد المعدوم مستحيلة الوجود، وإنما المثالية في عداد المعدوم ممكن الوجود، فلماذا لا نجعله في عداد الموجود، من خلال المحافظة على الذوق العام.
واخيراً اقول بأن للإعلام دورا في إفساد الذوق العام أو إصلاحه، والانحدار أو السمو به.
وفي كل الأحوال فإن الارتقاء بالذوق العام هو ارتقاء بالثقافة وبالمستوى الحضاري، كما أنه ينعكس ايجابيا على السمو بالأخلاق وأساليب التعامل مع الناس والأشياء والأفكار.