ما تظل هيج
لكل مكلومٍ ومألومٍ ومحبط ”ما تظل هيچ“، غداً سيكون يوماً أسعد.
إسكافي في بغداد يجولُ الشوارع، يصلحُ الأحذيةَ القديمة، وفي حالةٍ من العوزِ وقلَّةِ ذاتِ اليد ولكنْ كثيراً ما كانَ الناسُ يسمعونه يقول ”ما تظل هيچ“. بالفعل، مَرَّ زمنٌ وإذا بالإسكافي يملكُ كشكاً في ناصيةِ الشارعِ وتحسنت أحوالُهُ ولم يعد بحاجةٍ ليطوفَ الشوارعَ والأزقة لكسب قُوتِه. زاره أحدُ أصدقائه في الكشكِ ولكن الإسكافي لم ينسى ”ما تظل هيچ“. أقبلت عليه الدنيا فامتلكَ متجراً للأحذيةِ الجديدة ولم ينسهُ صَاحِبُهُ ولم ينسى هو ”ما تظل هيچ“. لم تمضِ مدةٌ طويلةٌ حتى أصبح الإسكافيُ من أكابر تجار بغداد، يشتري منه التجارُ الآخرونَ بضاعتهم، ولكنه لم يفتأ يكرر ”ما تظل هيچ“. أصبحت له امتيازاتٌ وخالط أهلَ السياسةِ حتى أصبح وزيراً. زاره صديقه القديم ودخل عليهِ بعد عناءٍ وانبهر لما هو فيه من نعمةٍ وذكره بالأيامِ الماضية فقالَ له الوزيرُ الإسكافي ”ما تظل هيچ“.
نعم، ما تظل هيچ! أصبحت مثلاً يجلب الأملَ وكان مَثَلُ أمي ”تكبر العيال وتعمر الديار“ وهكذا كان!
إن كبرنا الصورةَ قليلاً فقد رأينا في عمرنا القصيرِ حروباً وتغيراتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ أنزلت من كان في القمةِ للحضيض ورفعت من كان في الحضيض للقمة.
تأتي العاصفةُ وينزلِ المطرُ وبعدها تعودُ عناصرُ الطبيعةِ للسكونِ ومن وراءِ الغيمِ يأتي الفرج.
إنما الدنيا عواري والعواري مستردة
شدةٌ بعد رخاءٍ ورخاءٌ بعد شدة
ولمن يصلبُ الألمَ على بيوتِ الناسِ وفي قلوبهم:
يا راقدَ اللَّيلِ مسروراً بأوَّلهِ
إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أسحارَا
لا تفرحنَّ بليلٍ طابَ أوَّلهُ
فربَّ آخرِ ليلٍ أجَّجَ النَّارا