تكامل الحضارات
خلق اللهُ الكونَ والبشرَ وكان من المفترض أن يكونوا شعوباً وقبائلَ متعارفين لا تحجزهم حدودٌ سياسيةٌ أو موانعُ جغرافية لكن البشرَية اختارت إنشاء الموانع وعَلَتْ الاسوارْ بينها، لذلك ترى تكدس الثرواتِ في جزءٍ من العالم والبشر في جزءٍ آخر وسيولةُ وانتقال البشر من جزءٍ من الكرةِ الأرضية إلى آخرَ يخضع لقوانين بشرية. هذا التفاضل في الثروة جاء على حسابِ تكاملِ البشرِ والحضاراتِ وبدلاً من التقاسمِ العادل حل الصراعُ المحتدم من أجل أن تبقى الثروةُ في يد من هو فوق الأرض الذي صار يحميها ويدافع عنها بِحَدِّ السيف.
لا تشكل الهوياتُ اللغويةُ والعرقية والجغرافية والدينية في الحضارات سوى أوعيةً تتسامى فيها الروحُ الإنسانيةُ وتقوم هذه الأوعيةُ بالاستطراق فيما بينها وتتخذ منسوباً أفقياً واحداً منسوبًا واحدًا أو أغشيةً تنفذُ منها الثقافاتُ والمعارفُ الاعلى تركيزاً إلى الجهةِ الأقل ولكن هذا لم يحدث
إن فكرة تكامل الحضارات فكرةٌ صدرها الإسلام وتعني أن الحضارة الإنسانية واحدةٌ وتراكميةٌ في مختلف مجالات الحياة والتي اعتمدت في أساسها على الفكر والإنتاج في جميع نواحي الإنسان والطبيعة. أُسُسُ هذا المنطق تعتمد على رؤية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ وهذا ما تنادي به الديموقراطياتُ الحديثة وتتبناه ولكن دون تطبيقه خرط القتاد.
من جهةٍ أخرى، أسست هذه الموانعُ الصناعية إلى اختلالٍ في موازين القوى العالمية ونشوء نتوءاتٍ تتراكم فيها الثروة ونزعة القوة لزيادتها على حساب من يملك القليل منها. نظرةٌ سريعة لدخل الفرد في دول العالم وهو إجمالي ما يتحصل عليه الإنسان هو وأسرته من عمله الذي يعمل فيه أو من أية مصادرَ أخرى نرى أنه يتضاعف حوالي 250 مرةً من أغنى الدول إلى أشدها فقراً. هذا البون الشاسع يعني أن هناك توزيعٌ غير منتظم وليس شحةً في ما أعطاه الله لنا أجمعين.
يضاف إلى ذلك حصل خنقٌ لأيِّ إبداعٍ في غير مراكز القوة والثروة وتم احتكارُ الفكر والإنتاج مما أسس لقوىً ضعيفة أو مستضعفة ليس فقط ماديا بل لا تستطيع أن تسجل إبداعها على لوح السجل البشري. الإنسان كما هو منتجٌ رباني متساوٍ في القدرات الأساسية من فكرِ وتعلم وإنتاج وحب الإبداع عندما يحصل على الفرصة المناسبة أو ينتزعها عندما يستطيع والاختلاف في ضعف حضارة ما أو قوتها منشؤه تراكم الثروة والتعليم والإنتاج ليس إلا.
عندما ننظر إلى الانسانية من منظور تكامل الحضارات وتراكم منتجاتها ينتفي السؤال ماذا قدم هذا أو ذاك وخصوصاً الحضارة الإسلامية والعربية. شكل الشرق الأوسط مركزاً لإشعاع طاقة الفكر والمعرفة والطاقة النفطية التي لا تزال تشعل جذوة الإنتاج العالمي بأجمعه. مع هذا يصح القول بأن هذا غير كافٍ لأن يقنع هذا الشرق بما سجله من حضارةٍ بل يجب عليه أن يصطف في الصفوف الأولى في جميع المجالات الإيجابية وليس في مؤخرتها.
لابد للشرقِ الخروج من ظلمةِ الليل وبرودةِ الرياحِ وتسخير كل طاقاتهِ من أجلِ مستقبله ومستقبل الانسانيةِ جمعاء وأن يكون صوته جهورياً بالمنادةِ والتعريفِ بإنجازاتهِ الريادية. إن لم يفعل ربما تداعت أركانه وانهارَ بنيانه وذهب في النسيان سوى من كلماتٍ في الادبِ والشعرِ والماضي من الحضارة. إن المعارف والمجد لا يتنقل من جهةٍ من العالم إلى أخرى بالكلامِ أو القصورِ العاليةِ وإنما ينتقلُ بالعملِ الدؤوبِ والجد واليقظة.