الهزيمة
كان أحد الصبيةِ يسبقني بسنةٍ دراسية حيث كنتُ في الصف الرابع وكان في الصف الخامس وكان كثيراً ما يعاندني. كلما رآني تحرش بي وإن كان بيدي نقوداً أو وجبةً استولى عليها. لم يكن ذا بسطةٍ في الجسم ولكن يبدو أن الخوف من المواجهة بحكم فارق السن استحكم بي ومكنه من اضطهادي.
ضقتُ به ذرعاً بعد مدة وقررت المواجهة وقلت في نفسي لن يكونَ أسوأ مما كان! كانت مدرستنا بيتاً صغيراً مستأجراً من قبل الدولة من أحد موظفي شركة أرامكو مما يحتم المواجهةَ اليومية المتكررة بيني وبين ذلك الصبي. كنا في وقت الفسحة نشتري من الباعة خارج سور المدرسة فانتظرت قدومه. كان ردعه أسهلَ مما كنت أظن حيث وقفتُ مكاني وأخبرته بأن عليه عدم مضايقتي وإلا قمتُ بضربه ومنعه بالقوة وفعلاً توقف ولم ينازعني شيئاً بعدها.
كنتُ وقتها تمنيت أن أهزمهُ، وليس فقط منعه من معاندتي، ولكن شيئاً ما هزمه شرَّ هزيمة! لم يكمل ذلك الصبي دراسته واتجه للعمل مبكراً وابتدأ في تعاطي المخدرات مما أضر بصحته الجسدية والعقلية فترك العمل وهو في مقتبل العمر. كنت أمر بالقرب من منزل والده الذي كان يسكن معه وأراهُ واقفاً من وراء الباب يتحاشى الخروج ويخاف من مخالطة الناس. كان شعره الطويل الأسود لا يزال يتدلى على رقبته ووجهه الأسمر يدل على وسامةٍ ولكن اعتراه هزال فيخيل لك وأنت تنظر إليه أنك تنظر شبحاً يقرب من الزوال.
تحولت الرغبةُ في هزيمته لحزنٍ على ما ألمَّ به ورغبةٍ في مساعدته ولكن أنى يتأتى ذلك في مجتمعنا الذي يجنحُ إلى العقاب والإبعادِ قبل العلاجِ والاحتضان حتى من العائلة والأقارب. مرَّ زمن لم أره ولو كان بإمكاني الحديث معه لأخبرته أنَّ باستطاعته التغلب على ما أصابه كما فعلتُ أنا معه حين أوقفته عن مضايقتي، فقط بشيءٍ من الإرادة والعزيمة والاعتقاد بأن الهزيمة تأتي إليك وتتسرب إلى نفسك من الداخل قبل أن تكون من الخارج.