الحب و”صفرية“ الباچا
في علاقاتنا مع الآخر، ثمة رشحات من الإنسانية، تكتنز الذات البشرية، تجعلها تهفو للقيم والمبادئ التربوية. إن القيمة شيء، لا تعدو كونها سراب، إذا لم تتزاوج مع السلوك. مفارقة منطقية في وجهتها الصرفة واللا صرفة، كيف لنا الدخول في ذات الآخر، فكره وثقافته، لنكون ظلاً في مسافاته، ننغمس في الروح، لروحه في روحنا. وعليه فإن القيمة، تظل مفعولية أحرفها، حين نمارسها سلوكًا، وخط استواء في كل مجريات أبجديات الحياة.
تلكم القيم والمبادئ، كالنور، يستشعره الآخرون. إذًا بدونه لن يكون الظل، ظلاً، يقي الإنسان لظى الشمس الحارقات خطاه، ولن يأتي النور، ليبدد الظلمات الحالكات، كأعمى يتحسس الأشياء، ليبصرها. ومن نافلة القول، قول: إن أردت النور والظل، كن للقيم والمبادئ، توأمًا.
قال الشاعر نزار قباني ذات اصطفاف احترام ذاته وتفكيره وشخصيته، برغم كل المعاناة والأسى:
لنْ يكونَ ذهابك مأساويًا
كما تتصورينْ
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً
وأنا واقفٌ على قدميْ
”لنْ يكونَ ذهابك مأساويًا“. يخاطبها، في حالة مباشرة دون التفاف على اللغة أو تمويهًا بلاغيًا، يسكنه التيه واللجوء لما وراء الطيف، الصورة، شواء الكستناء في مساءات شتوية، تتساقط بين أرصفتها حبات البرد القرمزية. حين عشقها بكله، جعلها، ظله وأمنياته، لغته، ليتكمن عشقها من اختراقه عنوة ورغبة. نراه استعار من الحرب وما تخلفه من آثار مأساوية، أثرها، ليؤطر، كعادته من لغته الشعرية، مواقف لا تخبو أن تكون طريق مسار.
”كما تتصورينْ“، الإيحاء الذاتي، في طريقة استغباء المشاعر. إن المرأة، ذاتها في اتساع الأفق من استجداء الخيال بعمق، الأحلام الوردية بدفئها. هل ثمة علاقة بين ما آنف ذكره ”الخيالات - الأحلام - المشاعر“. ماهية التصور. من ديدن المرأة في الحالات العشقية، خصوصًا إذا ما لامست ذوبان العاشق فيها، لدرجة الذوبان، لتنصهر شخصيته في دائرة شخصيتها، يفتقد القيم والمبادئ، التي احتوته واحتواها، تنفسها منهجًا حياتيًا. يأتي القباني"، ليؤكد على ضرورة الشخصية، تفردها، كماس كهربائي، ينحني لألمه شامخًا بوجه الحب، اللمسات الجمالية والحضور الدفء، يضع جبينه على وسادة الألم، لأنه لا ينتمي لأنصاف المواقف، لا يرخي رمشيه لامرأة، تغتاله بين الفينة والأخرى، ليكون تعيسًا، أرادها أنثى، تمنحه الدفء واللطف، وكل ألوان قوس قزح، لتصفو سماءه، حينها، يهطل المطر بدنياه.
هنا، يجدر التنويه إلى علاقة عكسية، بين أن نحب من جهة، ومن جهة أخرى بين ما نحمله من ثقافية واعية، ومنهج - في حالة صحته -، أن يقف المرء، موقفًا منطقيًا، فلا يصهره الحب، ليترك ما يحمله من الثقافة الواعية، يترك منهجه، الذي ابتغاه مسلكًا. إن البعض لديهم ”الباچا“، من الأكلات الشهية، تتراقص عيناه، حين يبصر ”صفرية الباچا“، تدلى بين أنامل حاملها، ولكنها ”الباچا“، إذا ما تزامنت مع موقف ما، يكون مخالفًا لقيمه أو مبادئه، لن يمد يديه، لاقتطاف أجزائها. وعليه فإن ذاتية المرء، وما يحمله بين جنبيه، كذات وعقل، هي البوصلة، التي يترجمها سلوكًا وتعاملاً وفكرًا، نظيفًا، كمرآة صافية الأرواق.