مجتمعنا وردود الأفعال.. تجاه قضايا الاختلاف..!!!
كأي مجتمع تختلف فيه الطبقات والأطياف والتوجهات والانتماءات، يسعى مجتمعنا لتحقيق حالة من الترابط والاندماج، بما يملكه من مخزون في العمق الإنساني والتوازن النفسي والروحي والأخلاقي.
الرسالة المحمدية السامية بما هي منظومةً متكاملة من القيم الأخلاقية، سعت لتأصيل ثقافة الحب والسلام والتسامح بين فئات المجتمع الإنساني المختلفة في جميع الظروف والمواقف، بالأخص القضايا الخلافية التي يكثر الجدل حولها وتتفاوت ردود أفعال المجتمع حيالها، وحثت على التعاطي معها بعناية وعقلانية وتوازن وفكر منفتح، بعيداً عن التعصب الذي يهدد كيان ووحدة المجتمع.
من لم يكن على تماس مستمر ومباشر مع ما يحصل في المجتمع من ردود أفعال تجاه أيٍ من هذه القضايا الخلافية الجدلية، يتصور أن العقل الجمعي قد تسامى وارتقى بطرق معالجة الاختلاف بحكم تغير الزمن وما يحدث به من تحولات. لكن ما نراه على أرض الواقع يُشير إلى غير ذلك للأسف الشديد، مما يعبر عن حالة من التصلب في بعض مراكز التفكير لدينا. هذا ما تؤكده ردود أفعالنا تجاه أي موقف أو قضية اختلاف، وأقرب مثال على ذلك ما حدث من ردود أفعال متشنجة من بعض أفراد المجتمع تجاه الشيخ علي الفرج حول كتابه «العباس بن علي ع بين الأسطورة والواقع» واستضافته في منتدى الثلاثاء.
بغض النظر هنا عن الاختلاف أو الاتفاق معه، فلست في معرض المناقشة ولا في موقع الدفاع، لكنني في موقف الإشفاق والحرص على عقولنا وعقول أجيالنا التي يجب أن تنشأ على فكر ناقد وثقافة واعية وتعاطي متزن مع قضايا الفكر بعيداً كل البعد عن التعصب وردود الأفعال المتشنجة سواء أُتفِق أم أُختلِف مع الآخر، وهذه مسئولية المجتمع في توجيه وإدارة الاختلاف في اتجاهه الصحيح، الذي يُثري الفكر والمجتمع، منعاً للفرقة وتماشياً مع روح الرسالة وقيمها الخالدة التي ترجمتها مدرسة أهل البيت ، وحولتها إلى نهج إنساني حضاري يُعزز إنسانية الإنسان ويرتقي به حضارياً وإنسانياً، من خلال التأكيد على حق الاختلاف والحوار مع الآخر المختلف واحترامه.
من حق كل فرد أن يدافع عما يعتقد، ويطرح رأيه بحرية تامة دون مجاملة أو خوف، ولكن ليس من حقه التعصب وفرض رأيه على الآخر والتهجم عليه على خلفية تصفية الحسابات وزرع البغضاء والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد لا سمح الله. التعصب ربما يعكس عاطفة سلبية.
الاختلاف هو الحالة الإنسانية الطبيعية في الحياة، ولو أراد الله أن يجعلنا نسخاً واحدة مكررة لجعلنا لكنه تعالى لحكمته خلقنا مختلفين لكل منا شخصيته المختلفة، قال تعالى﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، لذلك علينا أن ننظر بعين العقل بعيداً عن التعصب والتشنج لتتضح الرؤية، ولنتمكن من رؤية الجوانب الإيجابية، بدلاً من الاندفاع نحو الجوانب السلبية بدون تأنٍ وروية.
فإذا نظرنا من الزاوية الإيجابية لحالة الاختلاف وماذا يمكن لنا أن نستفيد منها لأمكننا أن نرى الفوائد التالية:
أولاً: حالة نشطة من الحراك الفكري بين أوساط المجتمع المختلفة.
ثانياً: حفظ وصيانة رموزنا الدينية العظيمة التي هي أكبر من كل الروايات والمنقولات التاريخية التي لا يمكن لها أن تعكس عظمة هذه الرموز أو تفيها حقها.
ثالثاً: الكشف عن مستوى الوعي والارتقاء في مجتمعنا من خلال حالة التوازن والهدوء في طرح الآراء لكل من له رأي ”من رجال الدين والكتاب“ وغيرهم حفظ الله الجميع.
رابعاً: تشخيص وتحديد التناقضات الكثيرة التي نعاني منها، وأبرزها أننا نسعى إلى حوار الآخر المختلف معنا، بينما نرفض في الوقت ذاته محاورة بعضنا بعض، ونميل إلى اتخاذ جانب التشنج والعصبية والرفض، كما هو الحال أننا نقول غالباً ما لانفعل.
لماذا نحن قساة مع بعضنا، رغم كل ما جاءت به كتبنا السماوية المقدسة من خطاب اللين والرفق، والتأكيد على الحوار الهادئ، من خلال استعراض الكثير من الأمثلة والنماذج الحوارية في القرآن الكريم حتى مع من كانوا من العصاة والطغاة؟
ومما جاء في هذا السياق:
يقول تعالى في كتابه الكريم وفي مواضع مختلفة.
﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾، ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾، ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.
بعد هذا كله ترانا مجتمعاً مشحوناً متشنجاً بعضه ضد بعض...؟.
هل نحن أمة تقرأ القرآن وتفهمه وتعيه وتتمثله؟ أم تكتفي بتلاوته المباركة وترديد آياته...؟