آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

السيد الخبّاز يُضارع الشيخ الفرج.. من حيث لا يدري..!

حبيب محمود *

.. حتى التعليقات المنسوبة* إلى السيد منير الخبّاز على تلميذه الشيخ علي الفرج؛ جاءت مخيّبة لمنطق النقاش التاريخيّ. صحيح إن السيد الخبّاز حافظ على أخلاقياته المهذبة، في توقفه عند 23 ملاحظة محدّدة من كتاب ”العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع“؛ بيد أنه لم يُبارح الطرح الجدليّ، في خلاصة محتوى تعليقاته..!

أحسبُ للسيد الخبّاز رقيّه الغنيّ عن شهادتي. بيد أن بعض ملاحظاته على تلميذه؛ تُضارعُ إشكالات التلميذ نفسه في الفحص التاريخيّ، بل وتُحرّك الريبة أكثر ممّا تُحرّك إشكالات التلميذ في كتابه.

معاصرون وشهود

السيد أشكل على الفرج رفضه الاعتماد على روايات غير موجودة إلا في مصادر حديثة، لأن مؤلفيها لم يعاصروا أحداث كربلاء. هذا الإشكال حرّكه السيد أكثر؛ بإشارته إلى أن ذلك ينطبق ”على كتاب الإرشاد“ للشيخ المفيد، وكثيرٍ من الكتب القديمة، لأنها لم تُعاصر تلك الأحداث، ولم تروِ عمّن عاصرها".

وبالتالي يقول السيد أيضاً ”لا بدّ من حصر الاعتماد على خصوص الكتب التي روت مباشرة عن شخص عاصر تلك الأحداث أو الكتب التي كُتِبت في القرن الهجري الأول“..!

يُضيف السيد متسائلاً ”فما هو وجه التفصيل بين الكتب القديمة والكتب الحديثة، ما دامت تشترك في هذه النقطة، وهي أنها لم تُعاصر تلك الأحداث ولم تروِ عمّن عاصرها؟“.

السيد منير الفرج..!

هذا الإشكال وحده؛ يجعل من السيد منير الخبّاز ”فـَرَجيّاً“ أكثر من الشيخ علي الفرج نفسه. الفرج وضع قاعدة لنفسه في الفحص والتزمها. قاعدة: رفض روايات ما بعد القرن الهجري العاشر. فيما يطلب منه السيد توسيع الفحص ليشمل ما هو دون القرن العاشر، لأنها ”تشترك في النقطة“، نقطة ”لم تعاصر الأحداث ولم تروِ عمّن عاصرها“. وهذا الإشكال ”التوجيهي“؛ هو الإشكال ”المنهجي“ الوحيد الذي اطلعتُ عليه من بين الرّادين على الشيخ وهو أشدُّها خطراً وأثراً..!

تخفيف الفحص

توقّف الشيخ الفرج عند القرن الهجري العاشر؛ لأنه حسب ما يُفهم من منهجه قرن التجميع والتدوين العشوائيين للروايات الشفاهية المتعلقة بواقعة كربلاء. وهذا لا يعني أن ما سبقه من قرون كان خالياً من التزيُّد والتلفيق، فالتاريخ مزدحمٌ بما لا حصر له من أخلاط الصدق والكذب والتلفيق والتوسيع والإضافة والحجب، وسائر انحرافات التدوين والتوثيق والرواية والإخبار والتحديث. يشمل ذلك الأديان كلها، والمذاهب بلا استثناء. بل يشمل الموروث الإنساني قاطبة..!

مع ذلك؛ منح الشيخ الفرج لنفسه حقَّ قبول روايات ما قبل القرن العاشر. والسيد منير الخباز يطالبه ب ”فحص“ ما قبل القرن العاشر. وهذا يعني صراحةً لا ضمناً أن الشيخ الفرج خفّف إشكالاته وتسامحَ كثيراً في الفحص، بل تساهل، بل تساهل، بل تساهل... وجوّز لنفسه ما لا يجوز في التحقيق التاريخي..! فما بالنا لو أمضى الشيخ أعواماً جديدة في فحص المدوّنات التاريخية منذ عام 61 هـ، ليُحقق فيما ورد عن كربلاء، من حميد بن مسلم وعقبة بن سمعان إلى عبدالرزاق المقرّم..!

مناقشة رواية منفية

ما عُرض أعلاه هو أول تعليقات السيد على الشيخ. وما تلاه من تعليقات تضربُ نفسها بنفسها، بمنطق السيد نفسه. فحين انتقل إلى النقطتين الثانية والثالثة؛ تناول السيد رواية وصول العباس إلى النهر، وأقدم مصدر لها هو ”بحار الأنوار“ منسوبة إلى ”بعض أصحابنا“، كما يقول الشيخ محمد باقر المجلسي «1037 1111 هـ».. تجاهل السيد أساس الرواية التي لا سند لها ولا أساس واضح؛ واستشكل على الشيخ الفرج مفهومه لـ ”المبالغة“ في وصف شجاعة العباس، .

في إشكاله الأول يطالب السيد الفرجَ ب ”فحص ما قبل القرن العاشر“، وفي إشكاله الثاني يناقش في مضمون روايةٍ بلا سند ولا أساس. مضمون الحديث عن ورود الرواية؛ فإذا سقطت؛ سقط محتواها الروائي. ولا يتضمن ذلك تشكيكاً أو تقليلاً من قيمة الشجاعة التي تحلّى بها أبو الفضل . كما لا يهوّن من قيمة الإيثار العظيمة التي اتصف بها.

وحول ذلك ساق السيد موضوع ”سحب الروايات“، أي انتقال وصف أو حدث من شخصية تاريخية إلى أُخرى، ولكنه لم يُدلِ بدلوٍ في الأمر..!

استنباط أحكام؟ أم تاريخ؟

النقطة الرابعة؛ لا تقلّ كارثية عمّا سبقها. ساق السيد كلام الشيخ ونصه ”إنَّ حال الروايات التي تنفرد بها المصادر الحديثة لا يفضي بالباحث إلى قناعة بأنها مروية عن مصادر قديمة لم تصل إلى العصر الحاضر، حتى يكون ذلك دافعًا إلى قبولها واعتمادها علميًا“.

وبعد ذاك؛ علق السيد ”والحال أنَّ هذه النتيجة لا يمكن إلقاؤها هكذا بشكل مطلق، بل تحتاج إلى استقراء وتتبّع“. فما الاستقراء والتتبع اللذان يريدهما السيد الخباز من الشيخ الفرج..؟

ضرب السيد ”بحار الأنوار“ مثالاً، وطلب من تلميذه التالي:

1 أن نعرف هل وصلت إليه [الشيخ المجلسي] المصادر القديمة أم لا..؟

2 لا بدّ من تتبّع الإجازات التي استند إليها صاحب البحار في كثير من مرويات كتابه.

3 لا بدّ من خلال تتبع هذه الإجازات والتدقيق في سياقها أن ندرس هل أجاز مشائخه له رواية كتب مخطوطة وصلت إليه من المصادر القديمة..؟

4 أم تعلّقت الإجازة بعناوين الكتب لا بكتب حاضرة؟

5 وهل من هذه الكتب التي وصلت إليه مخطوطةً من المصادر القديمة ما يتحدث عن قضية كربلاء؟

6 وعلى فرض وجود تلك الكتب التي تتحدث عن قضية كربلاء فما هو مصدر اعتمادها ومقبوليتها؟

المغزى الكارثيّ في هذه الشروط؛ يكمن في طلب الأستاذ السيد منير إلى تلميذه الشيخ الفرج إعمال بعض أدوات ”استنباط الأحكام“ الفقهية في موضوعٍ تاريخيّ. وفي روايات كتاب مؤلَّف من 110 مجلدات..!

أظن أن السيد الخباز؛ يطلب من الشيخ الفرج ما كان على الشيخ المجلسي فعله من ذكر سند رواياته.

ترجيحات السيد

أورد السيد استشكالات كثيرة على تلميذه، وهي جديرة بالإجلال، ومصقولة بجهد البحث، وفيها من الهدوء ما لا يضيره بعض حدّة الأستاذ أمام تلميذه. إلا أنها في مجموع محتواها لا تخرج عن دائرة استنتاجات الرأي القابل للخطأ والصواب. ولذلك أكثر السيد الخباز من استخدام تعبير ”ترجيح“ أحداث من خلال روايات. مثل استنطاقه لمعنى ”الإيثار“ الذي اتسم به العباس تجاه أخيه الحسين، عليهما السلام.

الشيخ الفرج لم يصدر عنه أيُّ تشكيك في شخصية العباس أو إيثاره أو مكانته. بل إن أصل تأليف الكتاب مترتب على إجلال بالغٍ للسيد العبّاس. الشيخ الفرج توصّل إلى أن ”معلومة“ نزول العباس إلى النهر ورفض شرب الماء غير موجودة أي المعلومة إلا في ”بحار الأنوار“، أي في القرن الهجري الحادي عشر، لا العاشر.

معلومات وآراء

ثمة فرقٌ جليٌّ جداً بين المعلومة وبين الرأي. ثمة معلومات «روايات» كثيرة تؤكد شجاعة العباس، وعظمة العباس، وإيثار العباس. وأغلبها موثّق ومرويٌّ وكثيرٌ منها مُسند، قبل ولادة الشيخ المجلسي بقرونٍ طويلة. لكن لا توجد معلومة «رواية» واحدة موثّقة ومروية ومسندة عن نزول العباس إلى النهر ورفض الماء؛ إلا في كتاب مجهول وصفه الشيخ المجلسي ب ”بعض أصحابنا“.

وردّ ما ذكره المجلسي إلى ما ذكره ابن شهراشوب وابن طاووس وغيرهما، والوصول إلى نتيجة أن العباس نزل إلى النهر؛ إنما هو استنتاج رأي. ولا يمكن أن يصمد ضمن المعلومات.

من حيث لا يدري

في خلاصة القول؛ أظنّ أن السيد آزر تلميذه من حيث لا يدري، وحسبنا التعليق الأول الذي ساوى، في مضمونه، ما بين كل الكتب التي كُتِبت من قبل مؤلفين ليسوا معاصرين للحدث ولم يرووا عن شهودٍ عليه. هذا الاحتجاج يُغنينا عمّا تلاه السيد من تعليقات.

إذا كان الحديث عن التاريخ، أي عن المعلومات، فإن الشيخ الفرج قدّم منجزاً معلوماتياً واضحاً. أما إذا كان الحديث عن الآراء؛ فإن الدائرة قد تتسع لأكثر من 4614 كلمة، وهذا الرقم هو عدد كلمات السيد الخباز في تعليقه المعنوان ب ”ملاحظات السيد منير الخباز على كتاب الشيخ علي الفرج قبل أيام ولم يجب عليها الشيخ علي“..!

نسأل الله العافية والسداد.

- - - - - - - - - - - -

* وصلتني التعليقات عبر ”واتساب“، فأعدتُ إرسالها إلى السيد الخبار، وسألته إن كانت قد صدرت عنه أم لا؛ فقرأ رسالتي دون أن يُجيب. لذلك أشير إليها هنا بوصفها منسوبة إليه فحسب.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
شاكر محمود
[ القطيف ]: 30 / 11 / 2017م - 9:48 م
في كل تعليق يصدر يستنكر او يحاور حول الموضوع ينبري السيد حبيب محمود بحماس يفوق حماس المؤلف نفسه ليكتب مذكرة دفاع على شكل مقال
والحاضن للمذكرة طبعاً جهينة

ننتظر المقال القادم
2
حسين
[ القطيف ]: 1 / 12 / 2017م - 5:27 م
واضح جداً أن الكاتب حبيب محمود هو الذي لم يفهم مقصد السيد منير، فهو يقصد أن شرط المعاصرة صعب أن يتحقق حتى للمصادر القديمة ، ولو أخذنا به لكان واجباً أن نرفض جميع المصادر بغض النظر عن قربها الزماني من الحدث التاريحي ، وهذا لا يلتزم به أي مؤرخ أو باحث تاريخي.
وما قبل به الشبخ الفرج من مصادر ينطبق عليها ما أشكله على غيرها.
3
أبو سالم
1 / 12 / 2017م - 10:02 م
مقال يبتني في أكثر فقراته على عدم فهم الإشكال النقضي !!!

فماذا نقول؟!
4
فؤاد الحمود
[ القطيف ]: 24 / 5 / 2021م - 4:18 م
من الجميل في كل علم ان يتحلى من يريد طرح النقد ان يتعرف على المفاهيم والمصطلحات وهنا السؤال هل الكاتب المحمود يميز بين انواع الأحاديث ومتى يمكن الأخذ بها وهل هذه القواعد مطردة في كل المجالات ام لها تطبيقات معينة
عجبنا ان يدخل من ليس له أدنى علم أنفه في العلوم التخصصية وهذا ليس بلاء الكاتب وإنما شريحة كبيرة
اتمنى له التوفيق في عالمه الأدبي والشعر وترك الفتن لأهلها
والله الهادي