بائع الورد
نترقب اعتدالَ الحرارةِ في هذه الأشهر ترقبَ المسافرِ طلوع الشمس. تخضر الأرضُ قليلاً ويأتي الوردُ بكل أنواعه في هذه الفترة من السنة، تنوعٌ يختصر جمال وقوة الطبيعة بأسرها.
مررتُ بأحد الباعة لكي أشتريَ بعضاً منها لتزيينِ مدخل المنزل. كانت جميلةً بكل أنواعها وألوانها وأحجامها. صفها البائعُ أصنافاً متشابهةً، مددتُ يدي وخلطت بعضاً منها، استمتعت بمنظرها ثم سألته، أليس هذا يلبسها حلةً أجمل، أن تكون مختلطة؟ عندما تختلط الألوانُ وانعكاساتها ورائحة الزهر المختلفة! أجاب بلى، هكذا أجمل وأروع ولكن أصعب على المشتري انتقائها.
هكذا هي الحياة، فيها تتلون البلدانُ والمجتمعات بثقافاتٍ ومذاهبَ وأديانٍ وأعراقٍ مختلفة تشبه الوردَ المختلط في جماله وتنوعه والمختلف في كل شيءٍ سوى كونه ورداً جميلاً. تنقيةُ هذا الورد وجعله نوعاً واحداً، أو لوناً واحداً، أوحجماً واحداً ليس إلا تسطيحاً للجمال ومجاملةَ من يريد شراءه. لا يجب أن يخشى الناسُ بعضهم لأنهم مختلفين ولا يجب أن يخافَ الآخر منهم لأنهم مختلفون. يذكر المفسرون في قوله تعالى ”ولو شاء ربّك لجعل الناس اُمّة واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم“ مسألة الإِختلاف والتفاوت في بناء الإِنسان روحاً وفكراً وجسماً وذوقاً وعشقاً، ومسألة حرية الإِرادة والإِختيار ولئلا يتصور أحد من الناس أنّ تأكيد الله وإِصراره على طاعة أمره دليل على عدم قدرته على أن يجعلهم في سير واحد ومنهج واحد.
نعم، لم يكن أي مانع أن يخلق جميع الناس بحكم إِلزامه وإِجباره على شاكلة واحدة، ويجعلهم مؤمنين بالحق ومجبورين على قبول الإِيمان به لكن مثل هذا الإِيمان لا تكون فيه فائدة فالإِيمان القسري الذي ينبع من هدف غير إرادي لايكون علامة على شخصية الفرد ولا وسيلة للتكامل «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج7/ص 99».
محاولة تنقيةِ المجتمعاتِ على أنها لونٌ واحد أو مذهبٌ واحد أو عرقٌ واحد أو ذوقٌ واحد لا يضيف عنصراً إيجابياً للمجتمع وعلى العكس من ذلك يجب أن تكون المجتمعات مثل الصخور التي تنحدر من الجبل وتستقر كما تشاء لها الجاذبيةُ الأرضية وتكون قاعدةً صلبة من صغار الحصى وكباره. الاختلاف الفكري وغيره يجب أن يكون مادةً للتنافس يغري أصحابه بالتعمق فيه ويغري الناس بأخذه أو رده.
كما تطور العزف على العود في جمال النغمة من أحادية الوتر إلى خمسة أوتار تصدر نغماتٍ مختلفة وبمجموعها تصدر نغمة العود والذي كان للعرب السبق والتفرد فيها، هكذا المجتمعات والأفراد يجب عليها القبول بالآخر والاستفادة مما عنده.
من يشتري الورود في العادة يستمتع بجمالها ويعتني بها عكس من يبيع ويشتري المجتمعات فهو يتاجر في أمنها واستقرارها واقتصادها ويستهدف بقائها فلا يجوز تنقية المجتمعات بالصورة التي تسهل عمل ذلك النوع من المتاجرة. بالطبع، قد تنمو نباتاتٌ غير الورد على حساب قوة الورد وجماله وتنوعه وهو ما يجب التعرف عليه وتنقية الورد منه بالكامل.