آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

حديث المصعد!

الدكتور مصطفى المزعل *

في يوم من أيام السنة الدراسية الرابعة، والأخيرة لي في مرحلة بكالوريوس الهندسة الميكانيكية، التقيت صُدفة بمشرفتي الدراسية، في مصعد مبنى الهندسة، وبعد ترحيب سريع سألتني: ما هو مشروع التخرج الخاص بك؟ وقالت بعدها وهي ضاحكة، لديك خمس طوابق لشرح ذلك، ورددت عليها: بل لدي أربع طوابق، فأجبتها بإيجاز واصفاً المشروع، وخرجت من المصعد في الطابق الرابع، حيث كنت مُتجها، فردت قائلة: لقد أبليت حسناً!

بعد حديث المصعد السريع هذا، خطر في بالي كم من المهم أن يتمكن الإنسان من التعبير عن نفسه، والتواصل مع الآخرين بإيجاز، إذا افترضنا أن إجابة المشرفة في المثال السابق كانت صحيحة وصريحة، ”مو تسليكة“، فإن تمكني من الإجابة في تلك الثواني المعدودة، لم يكن ممكنا لو لم أكن مستعداً وملماً بفكرة المشروع والهدف منه، ولو لم أكن ملزماً بوقت محدد للإجابة.

أذكر أيضا نصيحة تلقيتها مؤخراً من أستاذ لي في مرحلة الماجستير، يقول فيها أن مستوى عرضنا للبحوث المختلفة في المادة، تحسن عندما حصر مدة الحديث إلى 8 دقائق، بعد أن كان مفتوحا، ويصل فيه الطلاب إلى 15دقيقة في الغالب، كانت نصيحته أن نجعل حديثنا مركزاً وموجهاً لفكرة العرض الرئيسية، وتجنب أي أمثلة أو حشو لمعلومات غير مهمة أو مرتبطة بالفكرة الرئيسية، فالمسؤول الذي سيستمع لحديثك وتحليلك لمشروع معين، أو دراسة أعددتها، لن يملك الوقت كله لسماعك، فلديه الكثير من المشاغل، وسيُحبذ أن تعطيه المختصر المفيد.

هذه ليس فقط طبيعة مسؤولي الشركات أو الدوائر الحكومية، بل طبيعة كافة البشر، خصوصا في عصرنا الحالي، الناس تميل لمتباعة المختصر المفيد، ”مو دائماً مفيد“، وازدياد مستخدمي سنابشات وانستجرام خير مثال، حيث تُعرض مقاطع فيديو مختصرة وقصيرة، ولا يتمكن من الاستفادة منها إلا من يملك شيئا من البلاغة والحضور الخفيف.

المؤتمرات واللقاءات الرسمية التي تتخللها فترات بسيطة للحديث مع المسؤولين أو المنجزين، هي فرصة ثمينة في كثير من الأحيان لمن يستغلها بالشكل المطلوب، بالتواصل بكل لياقة ولبقاة مع من يريد، لإيصال الرسالة، وخلق الانطباع الذي يبتغيه، حتى يتكن من بناء العلاقات، وتحقيق الغاية التي يسعى لها.

القنوات التلفزيونية أيضا في برامجها الحوارية وتغطيتها للأحداث، تميل للإيجاز خاصة عند تعدد الضيوف، وكم من مرة لاحظت محاضرين ومشايخ، يُخفقون في إيصال رسائلهم وأفكارهم، ليس ضعفا في إلمامهم بالقضية التي يتحدثون عنها، قدر ما هو عدم اعتياد على المساحات الإعلامية المحددة في هذا العصر، بعكس المساحات الواسعة التي اعتادوا عليها في المنابر.

بالطبع، هنالك حاجة مستمرة للحديث المفصّل، في كثير من المجالات، لكن الغاية، هي لفت النظر لأهمية التحلي باللياقة اللغوية المناسبة، والحديث ببلاغة، وإعطاء زبدة القول.

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية