أن تعشق الألم تكن عاشقًا
لم أكن حينها، أستبق الخطى في استشراف الحالة العشقية في وجهتها الأدبية، متسكعًا في رغوتها، إلا حين استفاق الشغف الطري ذات كلمات شعرية في بيت شعر، ذات غفلة من الحس، جاء فيه: ثم ماتت لما جفاها الساقي / فلا هي اشتكت ولا هو حن. مسافات العشق البصرية والذاتية، بامتزاج الغربة، اغتراب القلب حيث لا مأوى، الظمئ الشفيف، كشفاه لا تشرف قطرات الماء، ابتعادها عن ضفة الشاطئ. عليه ”ثم ماتت“، امتداد حالة الموت، في شغفها إليه ”ثم“، جاءت لتدلل على استمرارية الألم، كان قبل والآن وفي قادم الأيام، حيثيات أسبابه متنوعة المشارب والاتجاهات.
تدخله دنياها، تصويريًا من يحمل على معصميه الماء، ليرشف ظمئ الشوق، لقلب عشقه حد الثمالة وأكثره امتدادًا ونشوة الرغوة الأولى ولا انتهاء، لتغربله جفاء، حيث أن الجفاء في زاويته البلاغية، يحمل بين سلم أدراجه معنًا، أعمق من العطش والظمئ تعبيرًا. يأخذنا الشط الآخر إلى حبكة ضمنية المعنى، في أبهاه، يستجمع كل المعاناة العشقية من خلال مفارقة درامية، بين عدمية شكوها من جهة، ومن جهة أخرى عدمية ”ولا هو حن“. إبحار في المفارقة، ينبغي إجمالاً أن نعانق مفهومية ”الألم“، ماهيتها وجدواها على حد سواء، تزامنًا مع الحالة النفسية والثقافية، عنوة في استقراء ثقافة المجتمع حيالها. إن ”الألم“ في جزء من ”أدلجته“، يشكل حالة نفسية، يشوبها ”الأسى“، وجعًا في ذاتية الإنسان، كحدث حزين أو موقف، يندرج في بوتقة الحزن، إلا أنه بمثابة نافذة، يطل منها الضوء، لتبعث البهجة، إذا ما تم استثماره إيجابيًا، ليشكل حافزًا في المضي قدمًا. أن يصل القلب إلى تلذذه بالأم، بعيدًا عن الشكاية منه، كتطبيق قاعدة التفريغ الذاتي سلبيًا، ليكن إيجابيًا، لهو أصدق حالة عشقية بامتياز.
إن الجدوى من اسثمار حالة ”الألم“، ستفتح آفاقًا وخيارات أخرى مشرقة التوجه في تلبية الأمنيات. ”ولا هو حن“، في العشق، يأتي الحنين، مفردة تختزل استفحال قسوة الآخر ”المعشوق“، إن كان قاسيًا، ليمثله الجفاء، كعنوان رمزي له دلالته في السياق. إن عطفناه ”البيت الشعري“، اجتماعيًا من خلال توجه بعض الأنفس في تعاملاتها مع الآخر، لتمارس لغة الجفاء، فلا أنها تحن ولا الآخر، يبعث شكواه وأساه وغربته. إن احتضان الآخر بالكلمة الطيبة والموقف الطيب والإنصاف، كمنطق حياة وأسلوب حياة، حينها سنرتعش، لإتمام النص الشعري أيما ارتعاشة عشق، وإن جفانا الألم.