يوم الولادة
زارتني العافيةُ عدة أيامٍ مما استدعى النومَ والراحة. كم آلمتني الراحةُ والنومُ أكثرَ من الحركةِ والتعب وشقاء الحياة وتضاريسها اليومية.
نمتُ في أحدها حوالي ثمانية عشر ساعة. عرفت تفاصيل كل النقوش في السقف والعيوب التي تركها العامل، وكان في الوقت كفاية لإعادةِ رسمِ السقف دون أن يكون ذلك في الواقع.
في القديم لم يكن هناك اتصال مع من لا يخرج من بيته إلا أن يزوره الناس، والآن أينما كنت تسمع شقشقة الناس وأخبارهم، الجيد منها وسواه. لم تشغلني كل هذه الأفكار والألم من التفكير أنى رهين البيتِ والسرير. فتحتُ الباب أمس الساعةَ الثامنةَ مساءً عندما خفتت موجة الألم، رأيت النجومَ أجملَ وأصواتَ الناسِ أعذب وزرع البيتِ الذي لم يكن سوى بعض الورود أزكى رائحة وأنظر.
ليس هناك شيءٌ جديد في أي من هذه الأمور وستعود كما هي بعد عودةِ الصحة ولكن ما كان مختلفاً هو التوق والشوق للحرية الذي يلازم كل الناس، من هم أصحاء ومن هم مرضى.
تمثل لي ما أسمع وأرى عن كبار السن في المستشفيات ومراكز العجزة وهم يأملون في ساعة من الراحة، ليس من المرض ولكن من عبودية المكان الذي لا يلبث أن يصاحبه عبودية الزمان. يبقون في تلك المراكز يقلبون صفحات كتب الذكرى وأفراح الأيام التي عاشوها. كان السؤال الملح عندما أصحو، كم الساعة وأين أنا؟ افتح عيني وانا في بيتي وفي منامي وفي كل هناء، يعتني بي طبيبي ابنتي ويعللني زوجي وكلها لم تغنيني عن حريتي.
الحرية هي الجوهر الذي أعطاه الرب للإنسان وجميع المخلوقات وإن اعتادت سواها في بعض الأوقات. جرب وأطلق لها الحرية، سوف تركض تلك الحيوانات الأليفة في البراري والوديان ولن يهمها ما تعطيه لها من عشب أو شعير دون تعب. في بعض الكتب أن النبي يوسف الصديق نقش على بابِ السجنِ العبارة التالية ”هَذَا قَبْرُ الْأَحْيَاءِ، وَبَيْتُ الْأَحْزَانِ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ“ وفي بعضها السجنُ قبورُ الأحياءِ وشماتةُ الأعداء، إن زارني فيه الصديقُ بكى لما أصابني وإن زارني فيه العدوُ شَمِتَ لما أصابني.
يملك الإنسانُ أشياءً في حياته لا يدرك قيمتها إلا عند غيابها، يقدر العافيةَ عندما تستحكمُ في جسمهِ العلل والمالَ عندما يعوزهُ الفقرُ والحريةَ عندما يكون مسجوناً. قيمٌ مادية وروحية ربما لها بعدٌ من وراء المادة عند من فقدها ولكنه حتماً يود استرجاعها بأي ثمن.