جدل الدين والدولة في التجربة الغربية
مقدمة:
منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، بدأ المفكرون الإستراتيجيون ومعاهد الأبحاث والدراسات بوضع التصورات وصياغة الأفكار والسياسات لمرحلة ما بعد الحرب الباردة. واجتهد كل مفكر استراتيجي أو معهد بحث إلى بلورة الأفكار التي تعتبر وفق منظور المفكر أو المعهد، هي الاستراتيجيات المثلى لصناعة مستقبل أكثر سعادة ورخاءا ورفاها من الحقب الزمنية السابقة..
ومنذ نهاية عقد الثمانينيات ونحن نسمع ونقرأ عن الأفكار والنظريات والمقولات التي تسعى نحو ملء الفراغ الأيدلوجي الذي حدث بنهاية الحرب الباردة..
فقد نشر في هذا الصدد فرانسيس فوكوياما مقالته التي اعتبر فيها أن الديمقراطية الليبرالية انتصرت بسقوط الاتحاد السوفيتي وأن هذا الانتصار يشكل نهاية التاريخ..
الموجة المعرفية عند توفلر:
وتبعه ”توفلر“ مؤلف كتاب «صدمة المستقبل» بنظرية جديدة يرى فيها أن الثروة الحقيقية في حضارة الموجة الثالثة «الموجة الأولى الزراعية والموجة الثانية الصناعية» هي المعرفة.. وتشمل المعرفة هنا المعادلات العلمية والمعلومات التقنية، إضافة إلى الثقافة والقيم، وهو يرى أن المعرفة سوف تتحكم بإنتاج الثروة من خلال تقليلها من أكلاف العمل والمواد الأولية والمستلزمات المكانية والمالية للإنتاج.. ومن سمات نمط الإنتاج هذا تجزؤ عملية الإنتاج وتنوع المنتجات وتعقد مستويات التكامل والإدارة.. وحيث أن اقتصاد الموجة الثالثة لم يزل في طور تجلياته الأولية، فإنه سيواجه تعارضات وتوترات محلية ودولية قبل أن يسود كونيا، وهذا يعني ضرورة تجاوز عقبات عدة هي من بقايا الموجة الثانية، كالحواجز القومية ومخاطر التلوث البيئي والهجرة إلى الشمال وتزايد النمو السكاني..
صدام الحضارات:
وأخيرا وليس آخرا جاء صموئيل هنتغتون بمقولة صدام الحضارات، والذي يرى فيها أن صدام الحضارات هو عنوان المرحلة العالمية القادمة، وهي الصراعات التي ستملأ فراغ ما بعد الحرب الباردة.. ويحدد هنتغتون مقولته أو رؤيته بالآتي: أن النظام الدولي السابق كان يقوم على صراع بين ثلاث قوى رئيسة: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والعالم الثالث.. أما النظام الدولي الجديد «نظام ما بعد الحرب الباردة» فيقوم على صراع بين ثماني حضارات.. وهذه الحضارات هي: الحضارة الغربية والكونفوشيوسية والهندوكية واليابانية والأمريكية اللاتينية والأرثوذكسية السلافية والحضارة الإسلامية..
وهو يرى أن الانتماء إلى حضارة ما يتعدى الفوارق الأثنية والحدود الوطنية.. وأن الحضارات الثماني الكبرى تختزن الصراع المستقبلي.. وبالتالي فإن العنوان الأساسي الذي سيتحكم في الكثير من صراعات الغد هو صدام الحضارات، وعلى ضوء تباين الحضارات ستتحدد خريطة العالم في الفترة المقبلة..
ولا شك أن هذه المقولة تخفي الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم.. إذ يكشف لنا هذا الواقع أن الكثير من ظواهر الصراع والصدام لا ترجع بالدرجة الأولى إلى الاختلاف في الانتماء الديني والحضاري.. وإنما هي ظواهر تكونت من جراء العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. وإلا كيف نفسر الصراع المفتوح الموجود في الصومال وأفغانستان مثلا.. حيث أنها صراعات لا تجري على قاعدة الاختلاف في الانتماء الديني أو الحضاري، وإنما هي تجري على خلفية سياسية - اجتماعية - اقتصادية.. كما أن حرب الانفصال التي جرت في السبعينيات الميلادية بين باكستان وبنغلادش، لم تكن حربا بين مجتمعين تتناقض مرجعيتهما الدينية والحضارية، بل هما ينتميان إلى دائرة دينية وحضارية واحدة..
وهذا يؤكد لنا أن الكثير من الصراعات التي تجري في العالم، تجري على قاعدة سياسية - اقتصادية، وليس على قاعدة الصدام الحضاري..
ولهذا نستطيع القول: أن هنتغتون حينما بلور رؤيته حول صدام الحضارات، لم يكن بعيدا عن المصلحة السياسية والإستراتيجية للحضارة الغربية.. وإنما هو قام بجهد فكري يصب في إطار الحفاظ على سيطرة الغرب على العالم.. لهذا نراه يحذر من قيام متحد كونفوشيوسي إسلامي ينطلق من منطقة زينجيانغ في الصين ويمتد إلى الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.. ويبرر هنتغتون مخاوفه هذه أن العداء للغرب يجمع بين الإسلام والكونفوشيوسية، الأمر الذي يشكل تحديا خطرا للحضارة الغربية ولقيمها الإنسانية..
وإن دعوة هنتغتون إلى تفسير الصراعات والأحداث التي تجري في العالم على قاعدة الاختلاف الديني والحضاري تحقق مجموعة من الفوائد إلى الغرب الحضاري أهمها:
1. تدفع الدول والقوى الغربية إلى تطوير تحالفاتها وتنظيم علاقاتها ومصالحها لمواجهة العدو المشترك، والذي يهدد حسب هذا المنظور المصالح الإستراتيجية للغرب..
2. إن هذا المنظور يدفع باتجاه صناعة رأي عام غربي يرفض التعايش مع الحضارات والأمم الأخرى.. وهذا بالتالي يؤدي إلى اتخاذ مواقف مجتمعية غربية من المهاجرين من الشعوب والأمم الأخرى، الذين يعيشون في الغرب..
3. إن الحضارة الحديثة ومع التطور العلمي الهائل الذي صنعته، حيث سيطرت التكنولوجيا والتقنية الحديثة على الكثير من مجالات الحياة، فهي تواجه خطر الغياب التدريجي لمسألة الهوية والذات الحضارية، لصالح الآلة الحديثة.. وهذه النظرية وضمن تداعياتها المجتمعية، تحاول أن تبلور عدوا ذا هوية تاريخية وحضارية واضحة.. من أجل أن ينهض الغرب بقواه المختلفة إلى إزالة الركام التاريخي عن الهوية الحقيقية للغرب.
فالدعوة صريحة إلى إحياء الهوية الغربية من جديد أمام خطر الهويات والشعوب الأخرى التي بدأت بالتعايش والتفاعل مع الحضارة الحديثة.
لهذا فإن من الصعب الاقتناع بأن الحروب الساخنة التي تستعر في ما يزيد على «30» بلدا ومنطقة، بأن أسبابها ترجع إلى مقولة صدام الحضارات، كما أن ازدياد موجة المهاجرين من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية وتدفق أبناء الريف إلى المدن، الأمر الذي يشكل ظاهرة سماها صندوق الأمم المتحدة للسكان «الأزمة الراهنة للجنس البشري»، يصعب القول أن هذه الظاهرة جاءت نتيجة للنزاع بين حضارات مختلفة على حد تعبير الصيني المنشق «ليوبينيان»..
ويشير إلى حقيقة أن الكثير من صراعات اليوم ترجع بجذورها إلى العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدكتور فؤاد عجمي «جامعة جون هوبكينز» بقوله: أن هنتغتون يرى أن الدول ستحارب من أجل الروابط والولاءات الحضارية، في حين أنها تتدافع بالمناكب من أجل حصصها في السوق.. وتتعلم كيف تتنافس في اقتصاد عالمي لا يعرف الرحمة، وكيف توفر الوظائف وتتخلص من الفقر..
لهذا كله نستطيع القول أن الرؤية التي طرحها هنتغتون في المقال الذي نشرته مجلة «فورين افيرز» صيف عام 1993م، يسعى من خلالها إلى تأطير جميع القوى الغربية من أجل الاتفاق على العدو القادم.. إذ أن الغرب كنمط عقلي وحضاري لا يمكنه العيش دون عدو. ولقد أبانت العديد من الأحداث والتطورات خلال العقد المنصرم، على أن الغرب بكل مؤسساته قد حدد عدوه وعمل على خلق فوضى خلاقة، من اجل إعادة صياغة المنطقة وفق رؤيته ومصالحه، ولكن إرادة شعوب المنطقة حالت دون ذلك. على كل حال مانود إثارته في هذا السياق هو طبيعة الجدل الفلسفي والسياسي بين الدين والدولة في التجربة الغربية.
جدل الدين والدولة في التجربة الغربية:
على المستوى الغربي ثمة بلدان وتجارب، حاربت الكنيسة الحداثة السياسية والثقافية، فنتج عن ذلك تقلص وتراجع حضور الدين في الحياة العامة. كما هو الشأن في إسبانيا. وفي بلدان أخرى اضطلعت الكنيسة بدور محوري في مواجهة الأنظمة الشمولية، فكانت طليعة تنويرية للمجتمع، فشهدت يقظة دينية جلية للعيان وبارزة في الحياة العامة كما هو شأن بولندا. فالتجربة الغربية ليست على نسق واحد، وهناك تفاوت بين البلدان الغربية في طبيعة الجدل المعرفي والسياسي بين الدين والدولة في فضاء هذه الدول والمجتمعات.
إلا إننا نستطيع القول: أن أسس وأصول هذا الجدل واحدة في الدول الغربية، مع تمايز في طبيعة اللحظة التاريخية التي تمر بها هذه الدول. فأغلب هذه الدول لم تقصِ الدين تماما من الحياة العامة، وإنما حددت له مكان وموقع ينشط ويتحرك فيه، دون الإضرار أو التدخل المباشر والفج في أداء الدولة ومواقفها المختلفة. كما أن التكوين المعرفي والفلسفي للكثير من أطراف النخب السياسية في الغرب، هي متأثرة ومستلهمة للقيم الدينية - المسيحية.
فالغرب لم يطرد الدين من فضاء الدولة، وإنما جعل مؤسسة الدولة هي المهيمنة والمسيطرة على الفضاء الديني في الكثير من الجوانب والأبعاد.
والسلطة ومؤسساتها المختلفة في ظل الأنظمة الغربية - الديمقراطية، ليست منفصلة عن مجتمعها، وشرعيتها «أي السلطة» ليست نابعة من خارج المجتمع وخياراته السياسية، بل هي على مستوى الشرعية والمشروعية، نتاج مباشر لخيارات المجتمع وانتخاب هذه السلطة من أجل تحقيق هذه الخيارات في الواقع الوطني العام. فلا شرعية للسلطة وفق الرؤية الديمقراطية - المدنية إلا شرعية الجمهور التي منحها صوته واختارها لإدارة شؤون الدولة والمجال العام. "إن السلطة الديمقراطية تنتشر تحت طالع المثولية. فهي ليست سوى تعبير عن المجتمع، والمجتمع يمثل نفسه بنفسه من خلالها، ومن داخل ذاتها. باستثناء أن هذه العملية تفترض ابتعاد السلطة، أي تمايزها البين عن المجتمع. هذا هو الشرط الذي يجعل من الممكن التحقق من نسبة التماثل بين هذين القطبين.
فالديمقراطيات المعاصرة لم تجد سبيلا إلى الاستقرار إلا بدءا من اليوم الذي اكتشفت فيه أنه من الضروري القبول بالفارق من أجل تقدير الوفاق، بدلا من البحث بلا جدوى عن التطابق. فالارتباط الميتافيزيقي بين السلطة والمجتمع أبعد من أن يقرب بينهما، بل هو عمليا يفصل بينهما.. وكلما توفرت المطابقة بينهما في الجوهر، كلما ازداد الفارق الوظيفي بينهما. هذا يعني أن الغيرية المستبعدة لصالح تفوق معياري عادت لتنبثق من جديد داخل الآلية السياسية نفسها، بصورة غير مرئية، وغير معروفة بالنسبة للمعنيين بها، ولكن بفاعلية شديدة. إن ما كان يتخذ مظهرا دينيا بحتا نراه مجددا وبشكل عملاني في قلب الرابط الجماعي" [1] .
والذي يؤكد أهمية التمييز بين الدولة والدين في الفضاء الغربي، وجود تفسيرات كنسية شمولية - سلطوية للدين، بحيث إذا سادت هذه التفاسير ووصل أصحابها إلى السلطة، فهم سيمارسون كل ألوان العنف والقسر من أجل تعميم قناعاتهم وأفكارهم. والذي يمارس اليوم العنف والتكفير والتفجير ضد المختلفين معه في السياسة أو الدين أو المذهب، فإنه إذا امتلك مقدرات الدولة فهو سيوظفها لصالح مشروعه الأيدلوجي، فسيعمل من موقع السلطة والقدرة على ممارسة القسر، لإقناع الشعب بخياراته وأفكاره وسياساته.
وهذا يعني على المستوى العملي، تأبيد الاستبداد السياسي بتغطية دينية.
بحيث يتكامل الاستبدادان الديني والسياسي. وعلى المستوى التاريخي في التجربة الغربية فإن أسوء اللحظات من الناحيتين السياسية والدينية، هي تلك اللحظات التي يتكاتف الديني بالمعنى الكنسي مع السياسي لبناء سلطة سياسية - دنيوية، تمارس الاستبداد بكل صنوفه. فالتمييز بين الدين والدولة لا يعني إلغاء موقع الدين من حياة الناس، وإنما ضمان هذا الموقع حتى لا تتعدى الدولة بمؤسساتها المختلفة على مجال الدين.
والمنظرون الغربيون يتحدثون عن مجموعة من الاعتبارات تؤكد ضرورة التمييز بين الدين والدولة، ويمكن بيان هذه الضرورات في النقاط التالية:
1. توزيع عناصر القوة والسلطة، وعدم اجتماعها في مساحة اجتماعية ضيقة. لأن احتكار عناصر القوة والسلطة في يد فئة محدودة، يفضي بالضرورة إلى الاستبداد والديكتاتورية في أبشع صورها.
2. حتى لا تتحول التفسيرات البشرية للدين إلى أيقونة مقدسة، لا يمكن نقدها وإبراز عيوبها، بحيث سيتم التعامل معها بوصفها متعالية على زمانها ومكانها، وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، مما يؤدي إلى قيام السياسي بتوظيف التفسير الديني المدعوم من قبله لتأبيد سلطته، ومنع أي شكل من أشكال الاعتراض عليه. فلكي يتحرر الديني من سطوة السياسي، ثمة ضرورة قصوى للتمييز بين مجال الدين ومجال الدولة.
3. لكون المجتمع متعدد ومتنوع أفقيا وعموديا، وحتى لا تتحول الدولة بكل مؤسساتها إلى حاضنة للبعض وطاردة للبعض الآخر لاعتبارات أيدلوجية، بحيث تتحول إلى دولة مع البعض من مكونات شعبها وضد مكونات أخرى من شعبها. وهذا بطبيعة الحال يفضي إلى تفشي الظلم والتمييز بين المواطنين، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لذلك وحتى تكون الدولة دولة للجميع بدون الافتئات على أحد أو الانحياز لأحد على حساب أحد آخر، ثمة ضرورة للتمييز، حتى تصبح الدولة بكل هياكلها متعالية على انقسامات شعبها ورافعة لهم جميعا نحو مواطنة جامعة بدون تمييز بين المواطنين. لذلك على مستوى التجربة الغربية ارتبط تاريخ العلمانية بتاريخ الدولة. بمعنى أن النخب الغربية لم تتمكن من بناء دولة عادلة وديمقراطية وحاضنة لجميع مواطنيها إلا بالخيار العلماني.
لذلك تراكمت الممارسة العلمانية في أروقة مؤسسات الدولة، وترافق بماء الدولة مع صعود الخيار العلماني، بوصفه الخيار الذي يحترم الدين دون معاداة، ويفسح له المجال لممارسة دوره على صعيد الإيمان الشخصي ومؤسسات المجتمع المدني. مع إدراكنا التام أن ثمة تجارب علمانوية - غربية، حاربت الدين وعملت على إقصاءه من الوجود والتأثير. فحين تفقد المؤسسات الدينية قدرها الجامع والحاضن للجميع، لا مناص من التمييز بين مجال الدين ومجال الدولة.
لذلك فإن الدولة التي تدار بعقلية مذهبية - مغلقة، بصرف النظر عن صوابية هذا المذهب أو حقانيته في الاعتقاد والإيمان، فإن هذه الدولة ستعبر حين الالتزام بمقتضيات العدالة النسبية عن آمال وحساسيات بعض شعبها وليس كل الحساسيات الموجودة في شعبها. لذلك فإننا نعتقد أن كل دولة في الفضاء الإسلامي، تحول الدين الإسلامي إلى أيدلوجيا من خلال تفسير محدد ومعين لقيم الدين ومبادئه الأساسية، ستساهم في تنمية الفوارق بين المواطنين، ولن تتمكن من الوفاء بكل حاجات ومتطلبات كل مكونات شعبها. ونحن هنا نفرق بين الدين كمنظومة قيمية وتشريعية متكاملة، وبين الأيدلوجيا الدينية، وهي أحد تفاسير هذا الدين. وليس من الطبيعي هنا أن نساوي بين الدين المنزل من الخالق عز وجل وبين الاجتهادات البشرية التي قد تصيب وقد تخطئ. وحين المفاضلة والاختيار بين دولة تستند إلى رؤية دينية خاصة ليست محل إجماع وتوافق، وبين دولة تستهدي بقيم الدين العليا، وتتعامل مع المواطنين على حد سواء بصرف النظر عن أصولهم ومنابتهم الأيدلوجية، فنحن نختار الدولة المدنية التي تعتبر قيم الإسلام مرجعيتها العليا، وتتعامل مع أبناء شعبها على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. فنحن لسنا مع قسر الناس وإخضاعهم لرؤية دينية واحدة، كما إننا لسنا مع دولة تتدخل بشكل غير قانوني في المجال الخاص للأفراد والمواطنين.
فالمطلوب حياد الدولة كمؤسسة تجاه عقائد المواطنين. حتى لو التزم أفراد هذه المؤسسة برأي دين أو عقيدة دينية خاصة. فمن حقه ذلك، ولكن ليس من حقه أن يوظف موقعه الرسمي لتعميم عقيدته أو الترويج لآرائه. فالدولة كمؤسسة على مسافة واحدة بين جميع المواطنين، حتى لو تعددت انتماءات المواطنين وقناعاتهم الفكرية والسياسية. والدولة هنا معنية بتطبيق القانون المنبثق من إرادة الشعب، وليس التفتيش في ضمائر الناس وقلوبهم، بمعنى أنها دولة تحترم الحريات الفردية في إطارها الحقيقي وفي كل ما لا يتعلق بالمواد الإجبارية في القوانين العامة. ”إنها تسمح بشكل خاص للمعتقدات الدينية وللعبادات بأن تنمو بحرية خارجها، على أن لا يمتد مطلب حق ممارسة حريات المعتقد المحق إلى أفعال وتدخلات تخالف الحق العام، وعلى أن لا تسعى أي ديانة «أو مذهب» إلى منح مؤسساتها سلطة تنافس السلطة المدنية، وتناوئها في مجالها وتسعى إلى القضاء عليها، هناك تسامح كامل إذا، طالما أن السلطة المدنية ليس لها أي منافس في مجالها، في ما يتعلق بالقيم الجوهرية التي باسمها تسود الجماعة، وهي قيم ليست في هذه الحالة سوى تلك التي ينص عليها العقد الاجتماعي“ [2] ..
فهي دولة لها سلطة تطبيق القانون والحفاظ على النظام العام وتسيير شؤون الناس الداخلية والخارجية. وتمارس كل هذه الأدوار والوظائف على قاعدة الدستور ومبادئه الأخلاقية والقانونية.