القمة والقاع
دعوة لكبار الهمم وأمل المستقبل في المجموعة والعذر إن لم يكن فيها شيء من الأدب!
يرتبط مستقبل المجتمعات والشعوب والدول بمستوى معرفتها وإدارتها للمخاطر المباشرة والغير مباشرة وبالأخص التي تؤثر على أمنها المائي والغذائي ومستقبل الطاقة والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدرجة المعرفة لديها.
لا بد أن نضعَ مقياساً دقيقاً لمستوى التدرج المعرفي للأفراد والمجتمعات والدول وليكن عبارة عن سلم يكون المرتقى الأسفل فيه اللاوعي والمرتقى الأعلى هو خلق المعرفة التي من خلالها يتم خلق وتطوير منتج للمستهلك يساهم في تحسين حياته الجسدية أو الروحية. يبدأ التعريف بشكل عام من الفعل ”خَلقَ“ وهو فعلٌ يؤدي إلى إنشاء شيءٍ جديد وإبرازه إلى الوجود غالباً من العدم فعندما نصف اللهَ بخالق الانسان ذلك يعني أن اللهُ أَوْجَدَهُ مِنَ العَدَمِ وصَوَّرَهُ وأَنْشَأَهُ.
البقاء في القاع لا يحتاج إلى جهد ولكن يكلفُ الفردَ والشركات والدول أكثر من المرتقيات الأرفع في المدى البعيد وبما أن الصعود يحتاج إلى طاقة وجهد عالٍ للتغلب على المنافسة والاحتكار وبقية القوى الطاردة ومقاومة الرياح التي تدفع باتجاه القاع، فلا بد من الاستفادة من القوى الدافعة مثل التشجيع والتبني والتسويق والتمويل وغيرها.
للوصول للقمة لا بد من إجراء تقييم سليم للحالة الآنية ومن ثم اتخاذ الخطوات اللازمة للصعود الآمن وفي العادة لا يكون الوصول إلى خلق المعرفة بجهد فردي مع أن التاريخ يذكر أسماءً لمعت بمفردها مثل اينشتاين ونيوتن وأفلاطون وابن سيناء مع أن جهدهم تم احتضانه والبناء عليه في المختبرات والمعاهد ومراكز البحوث وتطور إلى منتج تم تقديمه للمستهلك.
في كثير من مراكز البحث حولنا يجري استنساخ تجارب وإعادة تثبيتها والاستفادة منها وهذا لا بد أن يكون خطوة أولى فقط في مشوار اكتشاف معارف جديدة بكل تفاصيلها من خلال تكاتف الجهود بين الجامعات والشركات والمجتمع وبين القمة والقاع مرتقيات من المعرفة لا يجب إهمالها في كل الحالات ويجب أن يشكل الشرق الأوسط الغني بموارده الطبيعية والبشرية والتي في أغلبها فتيةً وطامحةً للعمل والإبداع أرضاً خصبةً في المجال المعرفي
يجب ألا يكتفي المبدعون في مجال الفن والعلوم والهندسة والطب بمعرفة ما قدمه من سبق من خلال فكرة نقل المعرفة وتدويرها وليكن هذا هو جهد المقل كما أن من الواجب أن يُعتبر كل من يساهم في تجديد وخلق المعرفة إضافة ثمينة لمجتمعه ووطنه بل قد يتعدى حدود الوطن إلى العالمية بحجم التأثير الذي يتركه. كما لا يجوز أن ينبذ أو يُحبط من يقدم خدمةً في مجال المعرفة الإيجابية وكل من يقوم بتحقير الإسهامات يجب ألا يكون له مكان..
شغلت وفاة الفنان عبد الحسين عبد الرضا حيزاً كبيراً في الكثير من الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي ونعما كان فالمنافسة والتحدي والاستقطاب لا يكون إلا في القمم والمنطق العقلائي يقتضي تظهير وإبراز المواهب والموهوبين ولابد من تعميم ممارسة التكريم والاعتناء لتشمل كل من أبدع في أي من المجالات الإنسانية وكذلك لابد للإنسان المكرم أن يكون له نصيبٌ في خلق وصناعة المعرفة.
وليس بعيداً عن معرفتكم، يعتمد الشرق الأوسط في مجال النفط على مهندسين ذوي كفاءات محلية صاعدة ولكن بعد عقودٍ لا تزال الهندسة تعتمد في مجملها ابتكارات شركات أو معاهد أو باحثين غربيين وحبذا لو بعد هذه المدة وٌضعَ جدولٌ زمني لخلق أطروحات هندسية ذات بعد محلي وتبنيها لدفعها الخارج إذ ليس من المستبعد أن يعتمد باحثٌ ما خارج المملكة على نتائج ودراسات شركةٍ ما في المملكة بدلَ أن يكون العكس ولعل في تبني بعض الشركات إنشاء وتوطين مراكزَ بحوثٍ عدة هو أول الغيث...