أصدقاء الأطفال
يزور ”جون“ عائلة الطفل ”براد“ أربعة أيام في الأسبوع، ليقضي معهم بضع ساعات، وبالتحديد مع صديقه ”براد“، فيقضيان أوقاتهما بلعب كرة السلة، وحل بعض الواجبات الدراسية معا، والتنزه في الحي أحيانا أخرى، الملفت في الأمر أن ”براد“ يبلغ من العمر 10 سنوات، في حين أن ”جون“ في الأربعينات من عمره، فما الذي أتى به لهذا الطفل؟
ما أسس لهذه العلاقة بين ”جون“ و”براد“ هو منظمة Friends of The Children ”أصدقاء الأطفال“، والتي تأسست عام 1993 في مدينة بورتلاند بأمريكا على يد رجل أعمال، عاش طفولة مريرة وصعبة مع عائلته، ونشأ في حي فقير ومليء بالمشاكل، ولكن بعد أن نجح في مجال ريادة الأعمال، قرر أن يبادر لفعل شيء من الممكن أن يُجنب الأطفال ما مرّ هو به، ويوفر لهم بيئة صحية وملائمة للنمو في حياتهم.
فقرر عمل بحث عن طريق معهد أسسه هو أيضا يختص بالأطفال، لمعرفة أكثر البرامج فعالية في تمكين الأطفال من تجاوز المصاعب والعقبات في حياتهم، والتي تمكنهم من تحقيق غاياتهم، هذا البحث استنتج أن أقوى العوامل التي ستدعم الطفل، هو وجود علاقة قريبة، وصحية ومستمرة مع شخص بالغ يهتم به، وبالذات إذا كان هذا الشخص مؤمن بقدرات الطفل ولديه توقعات إيجابية تجاهه.
من هنا جاء قرار تأسيس هذه المنظمة التي تقدم هذه الخدمات الإنسانية والخيرية باحترافية، فما تفعله المنظمة هو كالتالي:
أولاً: تختار الأطفال الأكثر عرضة للمصاعب والتحديات في حياتهم، فعلى سبيل المثال، 60٪ من الأطفال لم يُكمل والديهم المرحل الثانوية، و50٪ من من الأطفال، يملكون والدين إما في السجن، أو سبق أن دخلوا السجن في فترة من حياتهم.
ثانياً: يتم اختيار مُوجّه لهذا الطفل وويُطلق علىيه ”صديق الطفل“، لأنه بالفعل يبني علاقة صداقة معه ومع عائلته، بل قد تصل حتى الجيران، ويستمر هذا البرنامج من المرحلة التمهيدية للطفل حتى التخرج من الثانوية أي قرابة 12 سنة.
ثالثاً: صديق الطفل هو موظف لدى هذه المنظمة بمرتب، ولا يتم اختيار إلا من يملك شهادة علمية في التربية أو التعليم أو أي جانب قريب من ذلك، وبعد مراحل من المقابلات الشخصية، وملاحظة كيفية تواصله مع الأطفال والمراهقين.
رابعاً: تقوم المنظمة بالتقييم المستمر لهذا البرنامج بالتعاون مع باحثين من عدة جامعات من ضمنها جامعة برينستون العريقة وذلك لضمان استمرارية البرنامج في المسار الصحيح، ولتطويره الدائم.
أوضحت دراسة من جامعة هارفارد عن البرنامج، أن مساعدة كل طفل على مدى هذه السنين، توفر على المجتمع 900 ألف دولار، مما يؤكد جدواه الاقتصادية للمجتمع، وكذلك بينت دراسات أخرى أن 93٪ من هؤلاء الأطفال والمراهقين يعيشون حياتهم بعيداً عن السجون والقضايا الجنائية، في حين أن 50٪ من آبائهم أو أمهاتهم كانوا في السجون، و83٪ يكملون تعليمهم في الوقت الذي لم يكمل فيه 60٪ من والديهم تعليمهم الدراسي.
أنقل فكرة هذه المنظمة التي علمت عنها بعد سماعي لمحاضرة المدير التنفيذي لهذه المنظمة مؤخراً في مدينة بورتلاند، وما أثار اهتمامي ليس فكرة البرنامج فقط بل الكيفية التي يُدار بها وكيف أن مجلس الإدارة ابتداء من الرئيس التنفيذي، يملكون خبرات كبيرة في مجال إدارة الأعمال، وهم يديرونه باحترافية، فكون الموضوع خيري وإنساني، لا يعني أنه لا يجب أن يكون احترافياً.
بدأت في بلادنا بوادر لمثل هذه الأفكار سواء كانت إنسانية غير ربحية أو إنسانية ربحية، المهم هو القيمة المضافة للمجتمع والناس، وأستذكر هنا وأشيد بمشروع Health Me الطبي في سيهات، والذي أسسه الدكتور نايف الدبيس، كمشروع فريد من نوعه يهدف لتوفير أرقى أنواع الرعاية الطبية للأطفال واليافعين بمفهوم جديد.
آمل أن نرى المزيد من هذه البرامج والمبادرات التي تهتم بالإنسان وتُعلي من شأنه، ما هي أفكاركم أنتم في هذا السياق؟