آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:50 م

الاستاذ علي مغيزل... منهجية المعلم وروحانية المربي

محمد أبو زيد

على وقع اللحن الجنائزي المفعم برائحة الحزن والألم تلقيت نبأ رحيل الرجل المؤمن والصديق المخلص والمربي الفاضل الأستاذ علي بن صالح المغيزل ”رحمه الله“ بعد صراع مع المرض الذي نال كثيراً من جسده ولم ينل من روحه الصابرة ونفسه المطمئنة الراضية بقضاء الله وقدره.

الفقيد السعيد شخصية فذه تميز بحضوره الاجتماعي والتزامه الديني وإنسانيته العالية وأدبه الرفيع وتواضعه الجم وخلقه النبيل ما جعله معروفاً في أوساط المؤمنين وحاضراً في كل زوايا مجتمعه وتفاصيل الحياة المختلفة.

تعرفت الى الفقيد السعيد والى أخيه المرحوم الحاج محمد بن صالح منذ نعومة أظفاري بحكم صلة القرابة التي كانت تربط بينه وبين والدي ”رحمهم الله جميعا“ من جهة الأم، فجدتي لوالدي هي كريمة الحاج عيسى المرزوق ووالدتهما هي كريمة الحاج موسى المرزوق ”بنات عم“.

غير ان ما يشدك الى الفقيد هو دماثة أخلاقه وتواضعه وحسن التواصل مع الاخرين وقدرته على الولوج الى قلوبهم وامتلاك محبتهم وتقديرهم.

تأسرك عباراته البسيطه وسلوكه غير المتكلف وابتسامته العذبة المصاحبة له في كل الحالات، وكل ذلك كان يصدر منه بشكل تلقائي وينساب بسلاسة عجيبة كتدفق الماء من ينبوعه وانسياب خيوط الضوء المنبعثة من مصدرها بتلقائية لا تحس.

ترتسم في خاطري ثلاث صور عندما استرجع ذكرياتي مع الفقيد الغالي..

الاولى: صورة الانسان الاجتماعي الملتزم في تدينه والمشدود لمجتمعه المشارك في مختلف المناسبات، والوصول لرحمه حتى وان نأت المسافات وتباعدت صلة القرابة.. وهو خلق إسلامي وانساني نبيل بدأ ينحسر في المجتمعات الحاضرة!

الثانية: صورة الأخ الوفي المخلص لأخيه، فلا تكاد تغيب عن خيالي عشرات المواقف والمشاهد المفعمة بروح الاخوة الصادقة في تعامله مع أخيه الأكبر المرحوم الحاج محمد صالح، فهو الزم له ظله يرافقه أينما حل وارتحل، ويقدمه على نفسه ويبدي له من التبجيل ما يشعر من يراه انه يتعامل مع أبيه وليس مع أخيه...

هذه المواقف تنبئ عن روح إيمانية عالية وخلق سامٍ يقل نظيره في الوقت الحاضر وكأنه يحفظ لأخيه بره به او عطفه عليه او تربيته له او ان ثمة مواقف بينهما زرعت داخله كل هذا التقدير والاحترام.

الثالثة: صورة المربي الفاضل وليس مجرد المعلم الذي يمارس عمله من منطلق كونه وظيفة وعملاً يتقاضى عليه أجراً...

ففي زمن توارت فيه النماذج التي تنظر الى الوظيفة نظرة قداسة واحترام فتغص الطرف عن الالتزام بأداء مهامها وواجباتها على الوجه الأكمل والأتم، تبرز شخصية الفقيد الغالي كنموذج وأسوة حسنة في هذا المجال.

وقد اشرت في بعض مجالس الفاتحة الى أن الفقيد كان يمارس مهام هذه الوظيفة بروحية المربي وليس بمهنية المعلم فقط..

ففضلا عن كفايته المهنية وحرفيته العالية وإتقانه لمهام عمله ك ”معلم قدير“ شهد له بذلك الكثير ممن تتلمذوا على يديه، فإنه يمتلك كاريزما خاصه تعطي لأسلوبه في التعليم نفساً روحياً يربي ويزرع القيم والمبادئ التي تستهدفها العملية التعليمية وتنادي بها المؤسسات التربوية وتعتبرها الهدف الأسمى والمنتج النموذج الذي تسعى له وتطمح لتحقيقه.

تغمد الله الفقيد السعيد بواسع الرحمة والمغفرة وتقبل سعيه وأثابه على كل جهد وخطوة وسعي بذله وبذرة نثرها في حقول العلم والمعرفة حتى نمت وتحولت بفضل سقيه لها وجهده ووعيه وايمانه الى شجر باسق يانع مثمر يعجب الزراع ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ.