هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
عدت قصيدة «هذا الذي تعرف البطحاء وطأته» من أفضل ما قدّمه الشاعر همّام بن غالب «الفرزدق» هذا إذا لم تكن الأروع لديه على الإطلاق، ذلك لما تحمله هذه القصيدة معان وصور بلاغية رائعة، فضلا عن الوقت التي قيلت فيه.. وتعد من القصائد التي قيلت وتقال في العديد من المجالس الحسينية، أو مجالس أهل البيت.
وأرى وهذه وجهة نظر شخصية ان قوة هذه القصيدة تأتي من أنها جاءت في غمرة الصراع بين بني أمية «الحكومة»، وبين بني هاشم «المعارضة»، فهي في عصر الإمام زين العابدين، وكلها في مديحه، ورصد ما يحمله من صفات ومباديء، وتأكيد أفضلية أهل البيت ، وكلنا يعلم أن تلك الفترة جاءت بعد مجزرة كربلاء، التي استشهد فيها زعيم بني هاشم وقائد المعارضة الإمام الحسين ، ما تحمله تلك الفترة من صراع، وكل شيء يمكن أن يسير في تلك الفترة بمنطق هذا النزاع.
القصة كما يرويها جميع المؤرخين أن هشام بن عبدالملك قصد الحج أيام حكم أبيه «عبد الملك بن مروان»، واجتهد لأن يصل الى الحجر الأسود فلم يتمكن لكثرة الزحام، فنصبوا له كرسيا وجلس ينظر إلى الناس، ويراقب جموع الحجيج، وبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين علي بن الحسين فطاف بالبيت، ولما أراد أن يستلم الحجر الأسود انفرج الناس إليه، وأتاحوا المجال له، حينها تساءل الحضور ومنهم هشام عن هذا الرجل، فرد الفرزدق الذي كان شاهدا الحدث بتلك القصيدة، التي جاء مدويّة تجاه الأمويين، وأعلن فيها الفرزدق انحيازا تاما لجبهة المعارضة. لقد تفاجأ ممثلو الحزب الحاكم بالموقف الشعبي الذي ليس معهم، ليأتي الفرزدق ويصب زيتا على النار، ويقول تلك القصيدة.
وفي هذا الصدد، أظن أن الفرزدق كان في لحظة تاريخية سجلت له، فهو لا يعد أكثر من شاعر نقائض يدافع عن قبيلته ويفخر بإنجازاتها ومواقفها تجاه هجاء جرير، لكنه الآن وفي هذه القصيدة يدافع عن عقيدة وعن دين.. وعلى حدّ علمي لم يكن الفرزدق أكثر من شاعر، فهو ليس رجل معارك أو رجل حروب، ولم يسجل له التاريخ وقوفه ضد حاكم أو ضد ظالم، لكنه في هذا الموقف كان رجل اللحظة، فهو يواجه الحاكم ابن الحاكم بالحقيقة، وهو في أوج قوّته، ولم يمنعه مانع أن يوجه النقد الصريح له، متحمّلا بذلك السجن بعد تلك القصيدة.
وتأسيسا على ذلك، يظهر الفرزدق موقفا مبدئيا، يتمايز به عن زميله جرير، الذي لم يتوقف بعض مؤرخي الأدب عن تفضيله على الفرزدق في الشعر، لكنه بهذه القصيدة يسلط الضوء على بعض الجوانب التي ترجح كفة الفرزدق على جرير، الذي هو شاعر حكومة بني أمية بامتياز، وله أشهر بيت في المدح عندهم وهو «ألستم خير من ركب المطايا، وأندى العالمين بطون راح»، في المقابل جاء الفرزدق بهذه القصيدة لينفي هذه المقولة، ويؤكد بأن ممثلي المعارضة ”خير عباد الله كلهم“، وهم الأكرم، والأشجع، والأكثر خلقا وسجايا، لذلك إن من يحمل هذا التفكير، ويجاهر به أمام الحكومة وممثليها، عليه أن يتحمل المسؤولية، وأن يتعرض الى ظلم تاريخي، وأن تظهر مقولات هنا وهناك بأن القصيدة ليست له، وإنما منحولة عليه، أو كما قال أحدهم بأن الفرزدق رجل أموي لا يصدر منه مثل هذا القول.
إننا لو توقفنا قليلا، نرى أنه ليس غريبا على شاعر مثل جرير أو حتى الفرزدق يمدح الحاكم من أجل المال، لكن الغريب ان يقف شاعر ويمتدح قطب المعارضة، أمام الحاكم، وفي ذروة عزّه وسلطانه.. لذا لم يأت جرير بجديد، فهو ”متملّق“ و”متسلّق“ لأجل المال، حتى أنه قال لأحد الأمويين: ”أغثني يا فداك أبي وأمي، بسيب منك إنك ذو ارتياح“، بينما الفرزدق من القصيدة التي نحن بصددها وضع نفسه في أتون المواجهة، ليمدح زين العابدين أمام ممثل الحكومة، التي كانت تجاهر بسب علي بن أبي طالب في المنابر، وقتلت الحسن والحسين، وسبت ذرّية أهل البيت ومنهم زين العابدين.. وبالمناسبة فإن هشاما هذا الذي استهان بزين العابدين في الكعبة، وصار يتساءل عنه وعن صفته كنوع من الاستنكار، هو نفسه الذي ضاق ذرعا به طوال فترة حكمه، حتى انه دس له السم وقتله.
فالفرزدق هنا يبدو أكثر مبدئية وشجاعة من جرير، الذي لا يسجل له التاريخ سوى مدحه الحكام الأمويين، بينما الفرزدق سجل موقفا تاريخيا، وقام بأفضل الجهاد وهو ”كلمة حق أمام سلطان جائر“، وبهذا الموقف تبدو المقولات التي تتحدث عن ”أموية“ الفرزدق، وفسوقه وقساوته وشدة تفاخره بالأنساب، كلها ضعيفة تجاه هذه الموقف، فمن يصفه بالجبن فهاهو أمام السلطان الأموي يجاهر بمدح أهل البيت، وتلك جريمة في العهد الأموي.. ومن يتحدث عن أمويته نجد هنا ما يخالف ذلك، فهو يعلن تشيّعه بصورة لا لبس فيها، وذلك في وقت كان التشيّع تهمة يستحق مرتكبها القتل.. تلك قصيدة واحدة تسجل هذا التاريخ لهذا الرجل، ومن هذه القصيدة يسجل الفرزدق موقفا ضد الأمويين في ذروة انتصارهم المادي بعد مجزرة كربلاء.
وفي الحقيقة، وعلى ضوء ما حملته هذه القصيدة من أبيات وصور ومعان، تجل ما نسب له بصدق أو بغير صدق في مدح بني أمية شيئا تافها تجاه ما قيل هنا، وليس غريبا أن يظهر من يعتبر تلك الأبيات بأنها منحولة عن الفرزدق، الذي وضع يده على الجرح، وسدّد طعنة للأمويين أمام الملأ وفي بيت الله وفي موسم الحج، ليعلن عن أن خيار الأمة هو اهل البيت، فهم المنجي والمعتصم، وهم نور الاسلام، ونور رسول الاسلام، فهم معشر حبّهم دين، وبغضهم كفر.. وبالمناسبة أن الفرزدق حينما سجن بعد تلك القصيدة في منطقة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة قام بهجاء هشام مرة أخرى وقال:
أتحبسني بين المدينة والتي +++ إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيّد +++ وعينا له حولاء باد عيوبها
ماذا قال الفرزدق؟
قال:
1 - هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ++++ والبيت يعرفه والحل والحرم
أراد الفرزدق أن يعرّف هشام، أو يذكّره بأن هذا الرجل، ليس نكرة، فهو معروف لدى مكة المكرمة كلها، ومنها بيت الله الحرام، ومواقع الحل، ومواقع الإحرام.. فالبطحاء هي ”أرض مكة المكرمة“، بحلّها وحرامها، تعرف رجله ودخوله، وبيت الله يعرفه ايضا.. وإذا كان هشام بن عبدالملك زعم أمام الناس أنه لا يعرف هذا الرجل الذي حظي باحترام الكل، فليس أدل على جهله، فمكة الطاهرة بحلها وحرمها بالإضافة الى بيت الله تعرفه وتعرف وطأته، ما يدل بلا شك على إيمان هذا الرجل، وعمق علاقته بالمولى جلّ شأنه، بدليل كثرة تردده على هذه المواقع المقدسة.
إن مصادر الفخر كثيرة وعديدة، منها المال والجاه، لكن أول وأهم ما يفخر به العبد على غيره من عباد الله هي علاقته وقربه من الله جل شأنه، لذلك لم يبدأ الفرزدق بشيء في الحديث عن هذا الرجل، غير أنه على علاقة وطيدة بالمولى وبالمقدسات الإلهية، فكان أول إجابة على السؤال الهشامي، الاستنكاري طبعا.
وقد أوصل الشاعر هذه الفكرة بصورة فنية لافتة، تتمثل في الاستعارة المكنية التي تتمثل في جعل الأرض والكعبة على هيئة بشر ذات معرفة وذاكرة، التي تعرف ”وطأة“ علي السجاد، وهي الجماد، ولم يقل باللفظ الحقيقي ان السجاد هو الذي يعرف هذه الأرض، لكثرة ترددّه عليها.. فالحل «المواقع في أطراف مكة التي يحق لقاصد مكة ان يصلها بدون إحرام»، يعرفه حينما يأتي من خارج مكة لأنه من سكان المدينة المنورة، والحرم يعرفه أيضا لأنه ملتزم بشعائر الله، فلا يدخل مكة الا محرما، والبيت يعرفه أيضا لأنه يأتي مكة المكرمة للتجارة مع الله، لا لغرض آخر، والعرف يقول أن الأرض تعرف من يكثر التردد عليها، وإن رجلا تعرفه كل هذه المواضع هل يكون مجهولا؟
2 - هذا أبن خير عباد الله كلهم ++++ هذا التقي النقي الطاهر العلم
حينما ابتدأ الشاعر بوصف زين العابدين، جاء بإسم الإشارة ”هذا“ وهو الإسم الذي يدل على القريب، بخلاف ذلك، وذاك وتلك، فهي اسماء أشارة للبعيد، وذلك للدلالة على ان هذا الرجل قريب من الناس، معروف لديهم، وما أقوله أنا «الفرزدق» هنا نوع من الإضافات لمن لا يعرف، او لمن لا يريد أن يعرف، وكأن الفرزدق أراد الإشارة الى جهل هشام أو تعمّده الجهل، بدليل أنه لم يعرف هذا الرجل الذي هو ابن خير عباد الله كلهم، أي ابن رسول الله، فهل أحد بموقع هشام يجهل ابن نبيّه؟
وهنا نقطتان أرى من الجدير التوقف عندهما:
أولا: أراد الفرزدق أن يوجه طعنة نجلاء لهشام حينما تحدث عن ”خير عباد الله كلهم“، وهو الذي يفخر بأصله الأموي، الذي وصفه به شاعرهم جرير بقوله: ”ألستم خير من ركب المطايا“، بالتالي فإن جهل هشام وفخره باتا في خبر كان بعد هذا الموقف، فهذا الرجل ابن رسول الله.
ثانيا: رغم طهارة النسب، وعلو قامته، إلا أن صفات شخصية أخرى يتصف بها هذا الرجل تزيده فخرا على فخر، تتمثل في كونه ”تقيا، نقيا“، وكلا الصفتين تحملان العديد من المعاني خلاصتها ان زين العابدين من أهل التقوى، أي لا يجده الله الا طائعا، ولا يراه عاصيا، بل هو على درجة عالية من الطهارة، بلغت درجة النقاء، التي لا يدنسه شيء، من الناحية المعنوية والمادية على حد سواء، فوق هذا وذاك فهو سيد في قومه.
خلاصة هذا البيت «باختصار» أن عليا السجاد يفخر على لسان الفرزدق من خلال النسب المتصل برسول الله، وعلي بن ابي طالب، والحسن والحسين، وفاطمة، وكذل من خلال التقوى والإيمان والطهارة المادية والمعنوية، وليس هذا وحسب، بل هو كبير المتقين الطاهرين، وذلك مصداق الدعاء الوارد في آية من القرآن الكريم: ”واجعلني للمتقين إماما“، وتلك إشارة من الشاعر الى الحاكم بأنك أيها الحاكم تتعمد تجاهل شخصية غير عادية، وهذا ظلم.
3 - هذا إبن فاطمة إن كنت جاهله ++++ بجدّه أنبياء الله قد ختموا
بعد عرض أهم صفات الإمام السجاد الخلقية، يدخل الفرزدق في شيء من التفاصيل، فيورد حقيقة واضحة أخرى، لا لبس فيها ولا خلاف عليها، فهذا الرجل إذا كنت يا هشام جهلت او تجاهلت أخلاقه وتدينه وإيمانه فهو إبن فاطمة الزهراء، وجدّه محمد بن عبدالله «خاتم الأنبياء»، ولا فخر بنسب بعد هذا النسب.
وحينما يتحدث شخص لآخر، فيورد البديهيات، ويعرض الحقائق الواضحة، فهذا يدل بكل تأكيد على أن الطرف الآخر في أدنى قيعان الجهل، حيث لا يعرف تلك الحقيقة.. هذا ما فعله الفرزدق، فقد تدرج في إسلوب العرض، ففي البداية قال عنه بأنه من الصالحين المؤمنين المتقين، ثم انتقل إلى انه ابن خير عباد الله كلهم، ثم انتقل إلى التصريح بمن هؤلاء «خير عباد الله كلهم»، وهم محمد ﷺ وابنته فاطمة، وبعلها وأولادها، وكأنه يقول لهشام ”أي جهل عميق وقعت فيه يا هشام، بأن تجهل مثل هذا الرجل الواضح، الذي تعرفه الجمادات، ويعرفه الناس، وإذا كنت مصرّا على جهلك، فإنه ابن رسول الله، خاتم الإنبياء، والمرسلين“، وقد قال بانه ابن فاطمة في إشارة إلى ان هذا الرجل يفخر بأمه وأبيه فضلا عن أبيه وجده.
وهنا ملاحظة أن الفرزدق لم يعلم بأن بعض المشككين سوف يظهرون بعد سنوات طويلة من قراءة هذه القصيدة، ليتحدثوا عن أن الشاعر «الفرزدق أو غيره» لم يمدح زين العابدين، بينما محد أحد أبناء جعفر الطيار «رضي الله عنه»، ولذلك جرت على لسانه دون أن يشعر بهذه القصة التي سوف تحدث فيما بعد وقال بأنه ابن فاطمة، وأبناء جعفر الطيار، مع صلاحهم وسيرتهم العطرة، ليسوا ابناء فاطمة، وإنما هم أبناء اسماء بنت عميس «رضي الله عنها».. إن ورود القصيدة بهذا اللفظ وهذا المعنى ينفي مقولة أن القصيدة قيلت في غير علي بن الحسين .
4 - وليس قولك من هذا بضائره ++++ العرب تعرف من أنكرت والعجم
هنا، يدخل الفرزدق إلى نقطة الخلاف مع هشام، قال له بأن إنكارك لهذا الشخص عيب فيك، وليس فيه، لأنه شخص معروف لدى الجميع، فما عربي ولا عجمي لا يعرف عليا بن الحسين، وتجاهلك له لا ينقص من شيئا، أي ليس بضائره «أي لا يضره شيء»، وربما أشار إلى ان زين العابدين عربي من جهة الأب وهو الحسين بن علي ، وفارسي من جهة الإم.. فهو معروف على صعيد أوسع من مكة المكرمة.
وقد وجّه الفرزدق تهمة صريحة لهشام بأن قول: ”من هذا“، ليس سؤالا استفهاميا، بقدر ما هو سؤال استنكاري، ينطوي على استصغار لهذا الشخص، لذلك لم يكن من الفرزدق إلّا أن رد عليه، بأن الذي انكرت ليس شخصية عادية يمكن تجاهلها، وإنما هو شخصية نموذجية يصعب الوصول لها.
وأضاف الفرزدق صورة أخرى بقول إن الشخصيات العظيمة ذات الشرف الرفيع والإيمان العميق، والطهارة والسمو، لا تضرّها كلمات تأتي من هنا وهناك، بالتالي فإن سؤال ”من هذا؟“ الاستنكاري، ليس بذي قيمة تذكر في هذا الشأن، اليس غريبا أنك لا تعرف شخصا تعرفه العرب والعجم؟
5 - كلتا يديه غياث عمّ نفعهما ++++ يستوكفان ولا يعروهما عدم
بعد أن يقدم الشاعر الصفات المثلى للإمام زين العابدين، وهي الإيمان، والنسب والحسب الشريفين، والسيادة في القوم، يواصل عرض صفات أخرى تأتي نتيجة الإيمان بالله أولا، ومما يتفاخر به العرب ثانيا، فيقول ان الإمام يتسم بالكرم، وأي كرم؟ إنه الكرم الذي لا يختلف عن المطر الذي لا يتوقف ولا ينضب وليس له حد معين.. فكلتا يديه غياث «مطر» عم «شمل واتسع» نفعهما، وهما يستوكفان «يطلبان» ولا يعتريهما أو يصيبهما عدم.. وهنا تشبيه بليغ حيث وصف الشاعر يدي الإمام بأنهما ”مطر“ دون ذكر أي علامة للتشبيه «مثل الكاف أو مثل»، وقد ذكر وجه الشبه وهو عموم النفع وشمولية الطلب، وعدم التوقف عن العطاء. لقد وصف الفرزدق كرم الإمام دون أن يطلق كلمة ”كرم أو جود او سخاء“، وإنما انطلق مباشرة بإطلاق التشبيه والقول بأن الإمام يملك يدين كل واحدة مثل المطر، الكل يطلب عطاءهما، ومع ذلك لا يتوقف هذا العطاء.
لقد أراد الفرزدق القول بأن كرم وسخاء الإمام السجاد ليس محدودا بحد، ولم يقتصر على القرباء، أو أهل المدينة مثلا، وإنما كرمه عام على الكل، فهو معين سماوي لا ينضب، فهل هذا الرجل يمكن إنكاره؟!
6 - سهل الخليقة لا تخشى بوادره ++++ يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم
على المنوال نفسه، ولكن نحو موضوع آخر، وصفة أخرى من صفات الإمام السجاد، فهو «سهل الخليقة»، أي ذو سجية سهلة وطبع يسهل التعامل مه، حيث «لا تخشى بوادره»، فهو لا يملك رغبة في الانتقام ورد الفعل الحاد، فهو ”حليم“، ويزدان حلمه بصورة جميلة، وبذلك يكون جميلا في الشكل والمضمون، بمعنى أنه يملك صفتين متداخلتين مع بعضهما، فهو يحمل الطباع الطيبة، لدرجة انه في حال الغضب لا يخرج عن الحق، ولا تصدر منه مواقف ذات صفة انتقامية، وفي الوقت نفسه فهو يحمل منظرا جميلا، وربما كان الجمال الظاهري نتج عن الجمال الداخلي الذي يتصف به، والمتمثل في السجية او الطبيعة اللينة السهلة.
7 - حمّال أثقال أقوام إذا افتدحوا ++++ حلو الشمائل تحلو عندهم ”نِعم“
8 - ما قال ”لا“ قط الا في تشهده ++++ لولا التشهد كان لاءه ”نعم“
9 - عمّ البرية بالاحسان فانقشعت ++++ عنها الغياهب والإملاق والعدم
10 - إذا رأته قريش قال قائلها ++++ إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن الإمام السجاد يحمل عن الناس اثقالهم وهمومهم في حال المصيبة الفادحة، فضلا عن المصيبة السهلة الأقل فداحة، أي أنه يعيش مع الناس، ويشعر بكل معاناتهم، ويتحمل معهم تلك المعاناة، لذلك ليس غريبا ان يبتعدوا عنه كي يستلم الحجر، ولا يفسحون المجال إلى آخر يتعامل بفوقية واستكبار وسلطوية.
واستخدم الفرزدق لفظة ”حمّال“ وهي صيغة مبالغة على وزن ”فعّال“، للتأكيد بأنه كثير الحمل لهذه الاثقال والتي تعني الهموم والمصائب، بمعنى أن مستوى الشعور بالمسؤولية تجاه الغير، ومساعدة من يحتاج تتم بصورة غير قليلة وغير محدودة، فهو حلو الشمائل تحلو عنده النعم.
لقد بلغ الجود لديه، وتحمل مسؤولية الآخرين، حدا أن كلمة ”لا“ غير موجودة في قاموسه، بل أن كلمة ”نعم“ هي الأصل، ولا يذكرها إلا في التشهد وإعلان الوحدانية «اشهد الا لا إله الا الله».
هذه صورة تشير الى مستوى الكرم وحب العطاء المتكن من الإمام السجاد، الذي بلغ حدا أنه لا يعرف في قاموس الفاظه كلمة ”لا“ إلا في التشهد، الذي هو إقرار لله بالوحدانية، وإذا كانت صفة الكرم من الصفات التي يتفاخر بها العرب، فإن كرم زين العابدين بلغ حدا أنه لا يرفض لأحد طلبا.
ولا يتوقف الشاعر في وصف الصفات الناجمة عن طيب السجية، وشمول العطاء، ويتطرق الى فكرة سبق أن ذكرها، لكن بصورة أكثر بلاغة دقة، فالإمام هنا ذو خير على البرية جمعاء، ومن احسانه انتشرت قيم العلم، وتراجعت حالات الجهل «الغياهب»، والفقر «الاملاق» والتخلف «العدم».
وتظهر هنا حقيقة أراد الشاعر ان يقولها، وهي أن وجود الامام السجاد هو رحمة للناس، وإن امامته للأمة يحمل في ذاته الخير التي يتراجع معه كل شر، ما يعني أن غيابه يعني شيوع حالات الفقر والجهل والدمار، بالتالي فإن هذا الإمام هو قمة الكمال، لذلك ليس غريبا ان يتحدث عنه قريش بأن الكرم ينتهي بالوصول إلى كرم هذا الرجل.
إن الفرزدق لم يكتف بالحديث عن نفسه، ويصف الإمام زين العابدين بصفات عدة، ويستعرض بعضا من صفاته، ويعبر عن وجهة نظره هو، لكنه هنا ينتقل لنقل آراء الآخرين، وموقفهم، وما يقولون عن هذا الذين استهان به هشام بن عبدالملك، ليؤكد أن قريشا نفسها، وهي أشهر وأقوى القبائل العربية وأعرقها نسبا إذا رأت هذا الرجل قال فيه ما لا يقال في غيره، حيث تقول بأن المكارم تتوقف عند مكارم هذا الشخص، فكل المكارم تتضاءل عند مكارم علي بن الحسين.
وكأنما أراد الفرزدق أن يقول لهذا الأموي بأن الفضل الذي يجهله هذا الرجل هو محط إجماع لدى القرشيين، فالعرب والعجم والأرض والناس، بل وحتى قريش الذين يفخر الأمويون بأنهم منهم يعترفون بالفضل لهذا الرجل.
11 - يغضي حياء ويغضى من مهابته +++++ فما يكلم الا حين يبتسم
12 - بكفه خيزران ريحه عبق ++++ من كف أروع في عرنينه شمم
في هذين البيتن نجد زين العابدين يغضي «يخفض بصره» حياء، ويخفض الآخرون أبصارهم حياله لهيبته، فلا يتكلم ولا يكلمه أحد الا بعد أن يبتسم، وذلك في إشارة الى قوة شخصيته وعظم تأثيره في الطرف الآخر، وهو ايضا بكفيه خيزران ريحها طيب، من كف اروع «في الحسن والبهاء والهيبة» في عرنينه «أنفه» شمم «رفعة».
ويدمج الشاعر الصفات الشخصية الداخلية، مع الصفات الخارجية الشكلية فينتقل من بستان إلى آخر، ويقطف ورودا هنا وهناك، فالفرزدق راح يصف بعض السلوكات الشخصية التي يتصف بها علي بن الحسين فيقول عنه بأنه شديد الحياء، والحياء شعبة من الإيمان، تصل الى حد أنه ينزل رأسه أمام أي شخص يلتقيه، ولا يتحدث مع أحد الا بعد أن يبتسم احتراما وتقديرا.. ومع كونه شديد الحياء لكنه ذو شخصية قوية مؤثرة، تجعل من الآخر في الوقت نفسه ينتظر بسمته حتى يتحدث معه، وذلك في صورة آخر للبيت نفسه.
واحتوى البيت صورة فنية في كلمتي ”يغضي“ التي تنطوي على معنى مغاير لكلمة ”يٌغضى“، فالأولى تعني أنه شديد الحياء، وأنه قد أنكس رأسه للطرف الآخر، بينما الثانية تعني أن الآخر هو الذي أغضى، ومع ذلك فالكلمتان يتشابهان في عدد الحروف، فهنا كلمتان تجمعان الشيء ونقيضه، من خلال كلمتين متشابهتين بالكامل، فهو يغضي ويغضى في آن واحد، عدا أنه حين يغضي ”حياء“ ليس من ضعف، ويغضى لهيبته، وليس لتسلط وجبروت.. والصورة الثانية التي تتجلى من خلالها عظمة الشاعر همام بن غالب حينما يورد كلمة تحتمل معنيين وهي ”يكلم“، فتارة تقرأ فعلا مضارعا مبنيا للمجهول فيقصد بها ان الإمام السجاد لا أحد يكلمه الا بعد أن يبتسم هو، وذلك لما يملكه من الهيبة، بينما يمكن ان يقرأ هذا الفعل مضارعا معلوما ”يكلّم“ بكسر اللام، أي أن الإمام لا يتكلم مع أحد الا بعد أن يبتسم، في إشارة الى حسن معشره، وطيب خلقه، وكلا الصفتين تنطبقان على هيبة الإمام وحسن معشره وطيب خلقه.
13 - يكاد يمسكه عرفان راحته ++++ ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
14 - الله شرفه قدما وعظمه ++++ جرى بذاك له في لوحه القلم
يقرر الفرزدق هنا قيمة العلاقة القائمة بين الإمام زين العابدين مع بيت الله، ليقول بأن الحطيم «ما يحيط بالكعبة» يعرف هذا الرجل، كما يعرفه الحل والحرم، وأرض مكة كلها، وليس وحسب بل أن الحجر الأسود من شدة حبه لهذا الرجل يكاد يمسك يده من شدة حبه. هنا ينشيء الفرزدق علاقة ود وحب بين الحجر الأسود وزين العابدين، والسبب في ذلك ان الله جل شأنه شرّف هذا الرجل وعظمه في لوحه المحفوظ.
وهنا صورة بلاغية جميلة، تكمن في العلاقة الحميمة بين الإمام السجاد والحجر الأسود، هذا الحجر صار يملك عاطفة وشعورا كبيرا بالمودة والسعادة حينما يأتي ابن الحسين لكي يستلم، فالمسألة ما عادت معرفة فقط، لكثرة الترداد، وإنما هي حب وعلاقة ود.. وهنا طعنة أخرى لطيغيان بني أمية الذين يبغضون شخصا كل الخلائق وحتى الجمادات تودّه وتحبه، وليس هذا وحسب بل أنهم يبغضون شخصا شرّفه الله وعظمه، فالأمويون بهذا ضد كل شيء إيجابي، يكفي أنهم ضد الله جل شأنه، فالله يعظم رجلا، وهم في المقابل ينكرون عليه ذلك، بل ينكرون فضل إنسان كتب له مقام في اللوح المحفوظ.
15 - أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ ++++ لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
16 - مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ++++ ذا فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
17 - يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ ++++ عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
18 - مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
19 - مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ ++++ طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
20 - يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ ++++ كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
يوضح الفرزدق أن عظمة زين العابدين، جاءت من ارتباطه وتمسكه بالإسلام، وتعلقه بعظمة رسول الاسلام، بالرابط النسبي والرابط المبدئي، فهذا الرجل جاء من اصل طاهر، ومن تربية صالحة، ومن بيت يتسم بشمولية خيره على البرية أجمع، وإن النعم والأنوار التي تظهر من بيت رسول الله، ويجسدها زين العابدين تتمثل في العديد من المعاني والأفضال والنعم، ليس أقلها نعمة الاسلام التي ظهرت من هذا البيت، ومنه انتشرت الى العالم، فالدين انتشر عن طريق رسول الله ﷺ.
على ضوء ذلك، فإن من يشكر الله على نعمه الكثيرة وأبرزها نعمة الدين، لابد وأن يشكر عباده الذين نشروا هذا الدين، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل الرسالة، فمن لايشكر المخلوق لا يشكر الخالق، فلا بد وكما يقرّر الشاعر أيضا بأن من يشكر الله على هذه النعمة، لا بد وأن يشكر تميز واسبقية وأولية وفضل زين العابدين ف ”الدين من بيت هذا ناله الأمم“، ويكفي هذا الأمام العظيم أن اصله وطينته مشتقة من النبي ﷺ، لذلك طابت مزاياه، واخلاقه، ومواقفه، التي عبرّ عنها الفرزدق ب ”الخيم“ وهي الاخلاق، و”الشيم“ وهي المباديء والمواقف.. فهو نور من نور رسول الله، ومن هذا النور تنجاب ظلم الجهل والغفلة والانحراف.
واعتمد الفرزدق عدة آليات فنية لإيصال الصورة، والتي أساسها عظمة وسمو زين العابدين، فتارة بطريقة السؤال الذي هدفه الإقرار، والتحدّي أيضا، وتارة أخرى بطريقة مجازية فحين يقول "ينمي الى ذورة الاسلام التي قصرت عنها الأكف وعن إدراكها القدم»، حيث أن زين العابدين يتنمي الى الاسلام، وقد فهمه فهما عميقا، والتي عجزت الكثير من الناس، التي وصفها بالاكف والاقدام، وهو يقصد بذلك العقول والافكار.. ولا يكتفي بذلك بل يلجأ الى التشبيه، وهو ارقى وسائل التعبير البلاغية وذلك حين يشبه زين العابدين بالشمس التي متى أضاءت انجلت الظلمة لضوئها، وفي إشارة إلى أن الحياة بدون هذا الرجل وما يمثله هي جهل وظلالة وانحراف.
21 - من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ ++++ كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
22 - مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ، +++++ في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
23 - إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ ++++ أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
24 - لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ ++++ وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
25 - هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ، ++++ وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
26 - لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ ++++ سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
27 - يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ ++++ وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
لم يكتف الفرزدق بالحديث عن الصفات الشخصية لزين العابدين، والتي جعلت منه عظيما، وأبرزها انتماؤه للإسلام، وارتباطه برسول الله ﷺ، وإنما ينتقل نقلة قوية ليتحدث عن مسألة مبدئية عقدية، ربما حسمت الجدل الطويل عن كون الفرزدق شيعيا علويا او أمويا، فهو يقول هنا بأن زين العابدين جاء من معشر وأهل بيت حبهم دين وبغضهم كفر، وهذه مسألة من صميم مذهب أهل البيت، ويضيف على ذلك جملة: ”قربهم منجى ومعتصم“، ليؤكد عقيدة الشيعة التي تقول بأنهم سفن النجاة وعين الحياة..
فالفرزدق كما تعلّمنا في المرحلة الثانوية يدمج شعره في هذه القصيدة بعقيدته الدينية، كونه اعتبر حب أهل البيت دينا، وبغضهم كفرا، وزاد على ذلك بأن ذكرهم مقدّم بعد ذكر الله، جل شأنه، ليقرر بعد ذلك بأنهم اهل التقى و”ائمتهم“ خير أهل الأرض.. وليس هذا وحسب بل أن جوادا لا يصل الى جودهم، وكريما لا يصل الى مقاماتهم الرفيعة، ولا يصل أحد الى شجاعتهم، فهم الاسود اذا احتدمت المعارك، وهم الأمطار اذا اشتد الجوع والعطش، وأياديهم مبسوطة عند كل عسر ويسر، وفوق كل ذلك فبهم وبحبّهم يستدفع البلوى، وتزداد النعم، فهم رحمة الله الواسعة في هذه الأرض، هم اهل الكمال والجمال، والتقوى والإحسان، والخير والبركات، والجود والشجاعة.
وبهذا الموقف، وهذه الصفات، كأن الفرزدق يريد القول لهشام وللحكام من بعده إن شخصا بهذه المواصفات المثالية، واسرة بهذه الروح، وهذا العطاء، هل يستحقون من الأمة القتل والتعذيب والتشريد والسجن والتجاهل، أم يستحقون التقدير والاحترام والحب؟
وبذلك قرّر الشاعر حقيقة اثبتت ”كفر“ هشام وزمرته، وهي أن ما بين الإيمان والكفر هو حب أهل البيت، فمن يحبّهم بقى في الدائرة، ومن يبغضهم يخرج منها، ومن يتطلع إلى النجاة، عليه بهذه السفينة، والا فالغرق نصيبه، فبهم يستدفع البلوى ويستزاد الاحسان والنعم
قل لي بربّك، هل يقول هذا الكلام أموي، يعمل على طمس نور أهل البيت، والقضاء على ابنائه؟
في ختام هذه القراءة المختصرة لهذه القصيدة، التي يعدّها الكثير من النقاد أفضل ما أبدعته قريحة الشاعر الفرزدق، بدت لنا ملاحظات ختامية:
اولا: القصيدة رغم شهرتها الذائعة، فهي تعد قصيرة، ففي ديوان الفرزدق لا تتعدى 27 بيتا، وهناك روايات أخرى تضيف وتنقص، ولكن الأصل في هذا الشأن ان القصائد لا توزن بعدد الأبيات، وأنما بما تحمله من معان وما تتضمنه من ألفاظ، تعكس العاطفة الفعلية للشاعر.. ومع هذا القصر في القصيدة الا أنها حفلت بالعديد من الصور التي تستحق التوقف، فهناك عدد من التشبيهات والاستعارات، والمجازات، وخلت من التكرار والعك اللفظي، وإن تكرّرت المعاني وأبرز المعاني التي تحدثت عنها القصيدة هي كرم وجود أهل البيت ومقامهم الرفيع.
ثانيا: القصيدة في مجموعها تحتوى وحدة موضوعية تناولت سيرة علي بن الحسين زين العابدين، وأكدت على أن عظمته جاءت من عمق علاقته بالله أولا ثم اشتقاق نبعته من نبعة رسول الله.
ثالثا: جاءت القصيدة بألفاظ سهلة للغاية، بل وفي معظمها، ذلك على عكس ما عرف عن الفرزدق من غرامه بالألفاظ والكلمات الغريبة الصعبة، وأظن ان لهذا الأمر سببا رئيسا، وهي ان ثمة صدقا في العاطفة الدينية قائم في كافة ابيات القصيدة، وسمة هذا الصدق أنه أعلى وأرفع من الماديات، فلم يطلق الفرزدق العنان لقريحة الشعر وهو ينتظر مكافأة مادية من قبل زين العابدين، فضلا عن أن هذه القصيدة وبهذه الصيغة قد تجر عليه غضبا من قبل الحاكم، وهذا ما جرى بالفعل، إذ تم اقتياده للسجن بسبب هذه القصيدة.
إن معظم ما ورد في القصيدة جاء منطلقا من عاطفة دينية، فالشاعر امتدح زين العابدين من منطلق ”غيرة“ على الدين، لذلك وجدنا أبيات القصيدة مليئة بالعبارات الدينية، وتلك صورة أخرى مغايرة لما كان عليه الفرزدق في صراعه مع جرير حيث كان دائما ما يفخر بأهله وقبيلته، كونه من قبيلة ذات مجد رفيع، بعكس قبيلة جرير.. فالعاطفة الدينية تجلّت في هذه القصيدة لذلك اعتبرت من اروع ما أبدعه الفرزدق، لتؤكد تشيّعه، وأموية جرير، وتفوق الأول وشجاعته بسبب هذا الموقف،
أما ما قيل حول ان هذه القصيدة ليست للفرزدق، أو هي له ولكن ليست مدحا لزين العابدين، فتلك مقولات ضعيفة وغير مقنعة.