آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

عندما تتحول المهنة الى رسالة

صالح البراك

تتعدد صور ومواقف الذين يحملون هموم الامة والامها ويعقدون العزم على إزاحتها عن ظهور القابعين تحت وطأتها بعد أن تختمر في عق_ولهم الطرق الانسب لمعالجة هذا الخلل أو سد ذلك النقص وبدل ان يلعنو الظلام يشعلو شمعة وبدل ان يشتكو الزمان وأهله يشكو خيوط العزم ويفرعو طرق الحلول وينشرو نسائم الأمل وكما كنا نسمع عنهم في الماضي نجدهم ونراهم هنا في الحاضر تشرق شموسهم وتزهر سماء الكون بسناء نورهم وتعبق الارجاء بزاكي عطرهم بعد أن حملو هم الانسان بما هو إنسان متعدين الحدود الفئوية والمذهبية والمناطقية وغيرها من أشكال الحواجز والقيود المجتمعية وقبل ذلك تحطيم قيود الانا والارتقاء في مدارج الكمال للنفس البشرية من المرحلة النباتية مرورا بالحيوانية وانتهاء بالمرحلة الانسانية الخالصة تلك هي سمة الشخصية الرسالية

وممن تميز بهذا الحس الإنساني الراقي ومن السباقين في هذا المجال وحمل مثل هذه الروحية ومنذ زمن طويل اخصائية المختبر الاستاذة هدى المنصور التي عايشت معاناة مرضى تكسر الدم المنجلي من خلال عملها في مستشفى الملك فهد بالاحساء وبرغم البيروقراطية الادارية ومعارضة العرف السائد انذاك إلا أنها سعت بكل ما استطاعت من إراده وإصرار في أن تمرر رؤيتها ووجهة نظرها من خلال القنوات الرسمية وانتهاء بمجلس الوزراء حتى صدور قرار إعتماد فحص التوافق كشرط في إكمال عقد الزواج وياله من انجاز يستفيد منه المجتمع بكافة اطيافه حاضرا ومستقبلا كما يسهم في تقليل كلفة واعباء علاج المرضى على ميزانية الدولة

وهذا ذات الحس الذي دفع الدكتور زكي بوصبيح في آن يتبنى هم الأطفال جميعا ويتحرك وفق فطرته السليمة وعقله النظيف والبعيد عن البلادة والحس المتدني والافق المسدود وبما يمليه عليه واجبه الديني والاخلاقي بل ووالوطني بأن يرفع معاناة ذلك الطفل من جذورها إذ كان يشتكي من قرحة المعدة في سن الرضاع حيث كانت امه ترضعه عصير التنج بدلا من الحليب نتيجة الفقر ولم يكتفي بصرف الدواء المناسب فقط او تسطير النصائح لامه او تحويلها إلى جهة خيرية او إجتماعية بل عالج الداء بالغذاء وحارب الفقر بتوفير الحليب ولم تقتصر مساعدته على ذلك الطفل وحده وإنما امتدت الى كافة الاطفال أمثاله حاضرا ومستقبلا من خلال التواصل مع الجمعيات في المنطقة واخبارها بانه على استعداد لمساعدة الحالات المشابهة وهذا ان دل انما يدل على رقي وعمق وشمولية في التفكير.

وعندما نريد الاجابة على سؤال مالذي يجعل من إنسان أو موظف في جهة ما يجد مشكلة او خلل في عمله ثم يعرض أو يتجاهل وربما يحولق ويتحسر ومن اجل إسكات صوت ضميره يلقي باللائمة على فلان او فلان من الناس ثم يمضي في حال سبيله بينما آخر يتأثر ويفكر ويقرر ثم ينفذ ما يمكنه القيام به لذا ساذكر موقفين من محطات عملي الوظيفي أو المهني المحطة الاولى عندما كنت اعمل في المختبر وصاحب هذا الموقف هو استشاري المختبر الدكتور سايمون بريطاني الجنسية ذو الاصول التنزانية مسيحي الديانة حيث كان يعمل في المختبر الاقليمي بالدمام حينها كانت مريضة ترقد في مستشفى الدمام المركزي وتعاني من التهاب سببه بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية المتوفرة محليا وبعد عمل مزرعة لعينة من المريضة لتحديد اكثر المضادات تاثير وفائدة تبين انه موجود في بريطانيا ولشعور الدكتور سايمون بروح المسؤولية الانسانية تجاة مريضته وعدم التواني في علاجها قام بطلب كمية من المضاد وتوفيره على حسابه الخاص بحيث تكفي للحالة ولحالات اخرى يمكن ان تحتاجها مستقبلا.

والموقف الثاني من محطات حياتي المهنية هو عندما كنت اعمل في معمل تحضير المحاليل الصيدلانية في مستشفى الدمام المركزي وقد صادف حينها توقف ثلاثة ارباع اجهزة غسيل الدم في قسم امراض الكلى عن العمل نتيجة ترسب أملاح الكالسيوم داخل انابيبها. الداخلية وتاخر وصول إمدادات المحاليل اللازمة لازالتها من الوزارة وعدم توفرها كشراء مباشر في السوق المحلية في ذات الوقت وليس أمامنا إلا تحضيرها محليا وهو ليس ضمن مهامنا من جهة وعدم علمنا بنسب المركبات الاساسية او توفر الكميات اللازمة منها من جهة ثانية وعدم المضي في هذه الخطوة يعني توقف كامل الأجهزة عن العمل وبالفعل عملت على التواصل مع عدة جهات لتوفير المواد الاولية اللازمة ولتجاوز عقبة عدم وضوح النسب المكونة للمحلول المطلوب قمت بعمل ثلاث تركيزات مختلفة وتجربتها على بعض اجهزة الغسيل واختيار المحلول الاكثر فاعلية منها ولله الحمد عادت جميع الاجهزة للعمل من جديد واستمرينا في تحضيرها حتى وصول إمدادات الوزارة

وبالتاكيد تتعدد مثل هذه النماذج المشرقة في الوزارات والجامعات والمدارس والدوائر الحكومية والوظيفية العامة منها أو الخاصة وما علينا هو إظهار ذلك والاشادة به فتشجيع المحسن وإبراز دوره هو تحفيز له ليستمر في عطائه ولغيره ليحذو حذوه ويسلك سبيله وجميل أن تعلو مثل هذه النماذج الحيةليتعلم منها الأجيال كصور ووقائع مضيئة من واقع مجتمعنا المعاصر لتكون نبراسا وقدوة للعاملون المتفائلون وعبرة للمتخاذلون اليائسون أو المحبطون فهي اكبر وادوم اثر من كثير من كتب النصائح والتعليمات النظرية او الصور والنماذج والشواهد المجمعة من المجتمعات او الثقافات الأخرى.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
جاسم
[ الأحساء ]: 8 / 10 / 2017م - 10:14 م
مبادرات إنسانية رائعة من الأستاذ و بقية أهل الخير الذين ذكرتهم.
أؤيد كلامكم بتكريم مثل هذه الشخصيات تشجيعاً لاستنساخها في جميع أرجاء الوطن.