شعلة الحق
حين أتحدثُ عن الحسين لا أعلم من أي زاوية أبدأ بالحديث عن تلك الاسطورة التاريخية والشعلة الانسانية الوقادة بمآثر خالدة يعجز الزمن بجبروته عن تذليل ذلكَ الألق السامي مابقيت أنفاس البشرية تتسربل في الكون الإلهي بنوره الباهر، لتبقى رسالته نبراساً مدى الحياة وفكره خالد لنجعل من رسالته عملاً ممنهجاً نرتفعُ به عن الصغائر ونرادف الأقوال بالأفعال كما قالَ تعالى «يا أيها الذين آمنو لِمَ تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» سورة الصف /آية 2 و3.
رسمَ ملاحماً في الفداء
حِكماً معتقة بالضياء
بعثَ الحياة قصائداً تروي الشفاه
ويبقى الحديثُ عن الامام الحسين يستهوي الأحرار، إنه صاحب المناقب والمقامات الرفيعة، فهو السامقُ في العلم، وفي العبادة، والقيادة، وفي الإيثار …
ياشهقة المتصوفين
ودموع كل السالكين سبل الحياة
ما أنت إلا صيحة للحق
ما أنت إلا ثورة للثأر
تشتعل اشتعالاً
تهدي قبلة للشمس
وللريح احتضاناً
ملحمة كربلاء اختصرت الطريق واستنطقت التاريخ، ولاحت منها فلسفة الحياة لنتعلم كيفَ نحمي قيمنا ومبادئنا بسِمة إنسانية في. وهناكَ محورٌ آخر في حياته التي جمعت فضائل أهل بيت النبوة وخلاصة معالم شخصية الحسين العظيمة التي لخصت تجارب البشرية من آدم إلى يوم استشهاده في أعظم معركة في التاريخ بين الحق والباطل ومقارعة الطغيان في وجه الضلال.
حين خلق الله الأرض،
وزعَ فيها الحروب
واللقاء والوداع
وقسمَ فيها الوصايا
والبلاد
فكانَ العراق
وكانت سنابل
وكانت دماءٌ
ودمعة طفل في معركة كربلاء
نحنُ نعيش زمناً نحتاجُ فيه إلى الحسين في جميع لحظاتنا، فهو نهج حفر نهراً لا يُردم، لذا يجب أن نجسد في الأذهان مبادئ نهضته ونستفيد من دروسه كزعيم قارعَ الظلم واستشهد مع أصحابه لإظهار الحق، من أجل استقامة القانون وعدالة الحكم وعلى العالم ان يعلم بان الإمام الحسين هو رمز البطولة ورمز الشهادة ورمز الأحرار في كل زمان ومكان، وأن دمه سال حين تصدعت أركان الحضارة.
إن قلت أحبكَ سيدي
فأنت للهدى طريق مستقيم
وهذي همهمة
دحرجتها
لأصب في إذن الزمان حكايتي
وألوح من تعبي
وأحمل في الفؤاد قصائدي
بإمكاننا الدخول من أبعاد مختلفة وبيان شيءٍ حول هذا الشخص العظيم بمقدار ما تَسعُه همتنا وفهمنا وبصيرتنا لمن كان للهدى والدين دينٌ.
ياسفينة …
بحارها، صنعت شعاراً من كفن
مرسى وحيداً في السفر
بل ملحمة..
ملامحها
تبقى في عيون الدهر
صرحاً
يعلمنا
أن الحسين رسالة قدسية
فجر الإمام ثورته ضد المتناقضات التي كانت الأمة تعيشها، نهض بأعباء كبرى ومسؤولية دينية وواجب اجتماعي وأسباب كثيرة محفزة دفعته إلى التضحية بنفسه وأهل بيته وأصحابه والفداء، عدالة وحكم القرآن وتلبيةً لنداء الواجب والحق فهو الواعي بذهنه الوقاد وجد لزاماً عليه ان يقف بالمرصاد امام التخلف والاستغلال الذي يعد السبب المباشر في قيام الظلم والطغيان.
معاناة الحسين لا أعظم منها ولا أجلّ، فله قضيتان، قضية الحق المضيع وقضية الدم المسفوك. لذا علينا أن نجعل من هذه المعاناة جسراً للانتصار بالحق ورفض الظلم، ولنتذكر دائما بأن سعادتنا التي تنهض على حرمان الآخرين وشبعنا القائم على تجويع الآخرين وفرحنا الناهض على أحزان الآخرين هو طريقنا الأقصر الى التعاسة الأبدية.
رباه:
سيدي ونجواي
إني شممت العطر، في ثرى كربلاء
فيممت وجهي صوبه
وحملت قرآني
وحزني بين مفاصلي
يشده الطين
يبحث عن آخر نقطة دم،
أريقت
وعن آخر جرح نبت
يستنطق زخات السماء
لقد خرج إلى كربلاء لأجل الإصلاح وحفظ الإسلام كما صرحَ بذلكَ وقال: أن الغاية المثلى من النهضة «إنني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله» …
وتلك هي أمثلة من الصفح والسماحة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، هي أخلاق النبوة وأولياء النبوة، شهادتهم شهادة للتاريخ وقيم السماحة في
الرسالات الدينية واحدة نجد شخوصها في مشهد أو آخر من مشاهد السيرة الرسالية، نهجاً واحداً متصلاً بقيم الأخلاق في الأديان…
فإن الإمام الحسين في مأثرته الاستشهادية، وعلى تلك الصورة التي جرت عليها الأحداث في واقعة الطف، جسد بالحق قول الكاهن يارا أنه ”ضمير الأديان كلها والى الأبد“، وهو الضمير الذي يقوم على الخير ونصرة الحق والجهاد في سبيل ذلك، جهاداً
أرقاه وأسماه الجهاد بالنفس.
ويبقى حسيناً مشرقاً في العيون
في ملايين الحناجر
وبينَ أوتاد الحياة
بين الأحرفِ الحرة،
حسيناً ….
والصدى مفعم باسم الله
والدم المسفوح في أرض كربلاء
يتوضأ من طهره الفرات
ظلَ كالشمس، وإحدى المعجزات
يصلي بخشوع
وهو يدري ببركانٍ واعصارٍ
يدوي في أرض العراق
كيف لا يدري..؟
والليالي تتلاشى،
عندما تمتصها شمس النفاق
واليتامى، لم تنم يوماً بأهداب العراق
والتراب المرتوي من طهرٍ تجلى
تحتَ ذاك النخل، والصفصاف
فكانت ملحمة الأحرار
والظمأ، يرتوي من نزف الصحاري
والصبر، يعتنق التراب
والدم، يتفيء بالضياء
ألفَ طوبى لدعاء رسم الحرية في الدم
ليبقى امتداد ابن البتول
هذا الصوت يرن في آذانِ الأحرار، إنه ميلاد وعزيمة من إرث الأنبياء بإحدى رسالات السماء، وابتهال ملايين الشفاه بتراتيلٍ وأصداء صلاة..