آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:11 ص

عاشوراء والتنمية الثقافية

رضي منصور العسيف *

ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات المباركة التي تتحدث عن أعلمية أهل البيت منها: قوله تعالى: ﴿فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون عن الإمام الباقر قال: لما نزلت هذه الآية قال علي : نحن أهل الذكر الذي عنانا الله جلَّ وعلا في كتابه. [1] 

وقوله تعالى: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم عن الإمام الصادق قال: ﴿الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمة من بعده [2] .

وهكذا فأهل البيت هم خزان العلم كما ورد في الزيارة الجامعة «وخزان العلم»، و«معدن العلم» كما جاء في الصلوات الشعبانية. وعندما نطالع سيرتهم نجد أن هناك العديد من المواقف العلمية المشرقة، وكانت لهم حواراتهم ومجالسهم العلمية.

وهذا ما نجده جلياً في سيرة الإمام الحسين ، فقد شهد عثمان بن عفان في الحسن والحسين «عليهما السلام» وعبدالله بن جعفر، حيث قال: فطموا العلم فطما، وحازوا الخير والحكمة.

وقال عنه محمد بن الحنفية: «إن الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله ﷺ رحماً، كان فقيهاً قبل أن يخلق...» [3] .

الإمام الحسين الأعلم:

وقد أوضح ذلك الإمام الحسين بقوله: ما ندري ما تنقم الناس منا؟!

إنا لبيت الرحمة، وشجرة النبوة، ومعدن العلم. [4] 

وفي كلمة أخرى يقول : نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه، وليس لأحد من خلقه ما عندنا، لأنا أهل سر الله. [5] 

وفي موقف آخر يكشف مدى أعلمية الإمام الحسين فقد لقي رجل الحسين بن علي بالثعلبية وهو يريد كربلاء فدخل عليه فسلّم عليه.

فقال له الحسين : من أي البلدان أنت؟

فقال: من أهل الكوفة.

قال: يا أخا أهل الكوفة أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا ونزوله على جدي بالوحي، يا أخا أهل الكوفة مستقى العلم من عندنا، أفعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون. [6] 

الإمام الحسين وتوعية الأمة

كان الإمام الحسين حريصاً على توعية الأمة بدينها وبواقعها السياسي، وكان يهمه تبيين حقائق الإسلام وشرائعه، لينطلق الناس منها في حياتهم ومواقفهم، لذلك حفل سجل النهضة الحسينية بالكثير من الخطب والرسائل والكلمات والمحادثات، والشعارات وأراجيز الشعر ومقاطعه. [7] 

وفي هذا الجانب هناك العديد من الكلمات، نقتطف منها:

الإمام الحسين مبيناً فساد السلطة الحاكمة: قال مخاطباً الوليد بن عبتة والي المدينة: إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله... [8] 

الإمام الحسين مبيناً أهداف النهضة: قال : أنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في امّة جدّي ﷺ اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن ابي طالب . [9] 

الإمام الحسين يرفع راية العزة للأمة: قال : ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. [10] 

إنها ثورة فكرية ثقافية قبل أن تكون سياسية عسكرية، تريد العودة بالأمة إلى أصول الرسالة، ومبادئ الدين، وأنظمة الشريعة وقوانينها.

لذلك أنتجت حركة فكرية ثقافية واسعة تطال مختلف جوانب المعرفة والحياة. [11] 

عاشوراء والتنمية الثقافية

إن «موسم عاشوراء ليس بموسم تجديد للحزن والولاء فقط، فهو موسم ثقافي بامتياز وفرصة للتثقيف ولتعزيز الوعي الجماهيري في قضايا عديدة وأهمها بالتأكيد قضية الإمام الحسين، ولأن عاشوراء موسم ثقافي وفكري لا بد لنا من استثماره أفضل استثمار» من خلال:

الخطيب الحسيني المُثَقَف والمُثقِف

إن عاشوراء عِبرة وعَبرة، ولذا يجب أن لا تنفصل هذه المعادلة عن بعضها البعض، فكما أن روّاد المجالس الحسينية تتشوق لإشباع الجانب العاطفي، وإثارة كوامن الحزن لواقعة كربلاء. هي في نفس الوقت تتشوق أن يرفدها الخطيب الحسيني بالثقافة الإسلاميّة، والدراسات الدينيّة، والثقافة التربوية والنفسيّة والسياسيّة.

والأمة تنتظر من خطيب المنبر الحسيني، أن ينطلق من أيام عاشوراء ومواقف شهدائها، إلى معالجة الأمور التي تهم الإنسان المسلم، ويسعى لتهذيبه وتربيته وشده إلى قيم الشريعة التي ضحّى من أجلها سيد الشهداء .

ولهذا «لابد لخطباء المنبر الحسيني أن يبثوا ثقافة العزيمة والروح الايجابية ومواجهة حالة الانكفاء والسلبية سواء لدى الافراد او في عموم المجتمع لأن الدين والامام الحسين نهانا عن هذه السلبية» [12] .

لهذا يتوجب على الخطيب أن يكون على إطلاع مستمر حول المستجدات والتحديات الثقافية التي تتداول في المجتمع، وأن يكون خطابه ملامساً للواقع ويناقش هموم وقضايا المجتمع، وهذا يتطلب التحضير الجيد للموضوع وتقديم مادة علمية مميزة تتناسب مع متطلبات العصر، مبتعداً عن الروايات الضعيفة، والأخبار الغيبية والمنامات، فهذه الأمور لم تعد مقبولة في واقع أكثر وعياً وأكثر انفتاحاً على الثقافات الأخرى.

نحو حسينيات مميزة

الحسينيات، هي مراكز إسلامية، جعلت لأجل إحياء الإسلام والفضيلة، فلمؤسسيها وقائدي حركتها الإصلاحية الثواب المذكور في الحديث الشريف: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» الحسينيات بعد واقعة الطف أصبحت مراكزاً لنشر الوعي الإسلامي وساحات علمية تتخرج من بين أعمدتها وأروقتها مئات العلماء وآلاف الطلبة... [13] 

«الحسينية أو المأتم هي في الحقيقة مؤسسة ثقافية اجتماعية» [14]  ولأن لكل حسينية فترتان أو ثلاث فترات يصعد فيها الخطيب موجهاً ومعالجاً، فهي ثروة نحسد عليها، فما علينا إلا استثمارها لحاجياتنا الحضارية لنتمكن من التأثير في المجتمع، وذلك من خلال:

• إنشاء برامج ثقافية موازية للمأتم الحسيني، تناقش القضايا الاجتماعية الراهنة.

• تخصيص محاضرات باللغة الإنجليزية للجاليات «الخادمات، السائقون، أصحاب المحلات» ومحاضرات أخرى لأصحاب الاحتياجات الخاصة مثل الصم والبكم.

• بناء كوادر فاعلة في المجتمع، فمن يتطوع في الخدمة الحسينية ينبغي أن يتخرج من هذا الموسم بروحية جديدة، ويستمر في إسهامات تطوعية اجتماعية.

بهذا تكون الحسينية بالفعل مؤسسة ثقافية عصرية فاعلة.

نشر ثقافة عاشوراء

منذ 14 قرنا تجري ثقافة عاشوراء في حياة الشعوب الموالية لأهل البيت وفي عمق قناعاتها النقيبة كما يجري الدم في عروق الانسان ليتدفق الحياة، عاشوراء روت بكوثرها قلوب ملايين الملايين من المشتاقين في طول التاريخ ولازالت.

فهي بحق من أعظم مصادر القيم النبيلة والأحاسيس الكريمة والمشاعر والعواطف الفطرية التي يقف معها العقل والدين كما يقف رب العالمين مع سننه الكونية.

وهنا تكمن مسئوليتنا تجاه هذا التراث القيم في المحافظة عليه ونشره بالصورة الحية، التي تلهم الناس روح العطاء والعمل، والنشاط والحيوية، ورفض الظلم والعبودية.

إننا مطالبون في هذا العصر أن نبث ثقافة الحسين بين الأجيال عبر العديد من الوسائل، منها:

• القنوات الفضائية البعيدة عن روح التعصب والتفرق.

• قنوات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك، التويتر، وغيرهما.

• ثقافة الصورة عبر الوسائل الحديثة. والاستفادة من الفنانين التشكيلين والفوتوغرافيين.

• الكتب الثقافية والنشرات الحسينية الهادفة.

• الدورات الدينية المتخصصة في قضية الإمام الحسين .

وغيرها.

التثقيف الذاتي في عاشوراء

التثقيف الذاتي يعني أن يكون للإنسان المتعلم برنامجا يوميا للقراءة والمطالعة والكتابة، وبخصوص موسم عاشوراء ينبغي اتباع برنامج يومي يتمثل في تخصيص مجموعة من الكتب التي تتحدث عن سيرة الإمام الحسين بصورة تحليلية، وكذلك انتخاب مجموعة من المحاضرات الثقافية الخاصة بموسم عاشوراء، وحضور المجلس الحسيني المتميز بخطابه التنويري، وتلخيص أهم النقاط المستفادة من ذلك المجلس.

في الختام يمكن القول أن موسم عاشوراء هو موسم توعوي ثقافي إرشادي، ينبغي أن يستثمر ويستفاد من كل برامجه المتنوعة.

[1]  تفسير الطبري 14: 108. وخصائص الوحي المبين: 229 فصل 22.

[2]  اصول الكافي 1: 213 | 3 باب ان الاَئمة هم الراسخون في العلم.

[3]  أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء ص 31,33

[4]  نزهة الناظر: 85 / 21.

[5]  المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 52 عن الأصبغ بن نباتة.

[6]  كلمة الإمام الحسين ، السيد حسن الشيرازي

[7]  الإمام الحسين الشخصية والقضية، الشيخ حسن الصفار

[8]  كلمة الإمام الحسين ، السيد حسن الشيرازي

[9]  كلمة الإمام الحسين ، السيد حسن الشيرازي

[10]  كلمة الإمام الحسين ، السيد حسن الشيرازي

[11]  الإمام الحسين الشخصية والقضية، الشيخ حسن الصفار

[12]  من كلمة سماحة المرجع المدرسي في مؤتمر خطباء المنبر الحسيني

[13]  رسالة المساجد والحسينيات، السيد محمد الحسيني الشيرازي

[14]  الإمام الحسين الشخصية والقضية، الشيخ حسن الصفار
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف