لا زلت أبكي وسأظل
تمر الذكريات، تحملني عيناي، أشواقي المتعبات، لفيض حنان، لدفئه، لابتسامة عينيك، لدفئها. ذات غفلة من الصحو، من ارتعاشات الوقت على يدي اليسرى، وهي تعانق يديك المرتجفتين ألمًا، لتحتضن العناق فيّ وفيك. ”خالتاه“، يا كل العمر في نبضات عمري الهش، طريًا كان حيث اللقاء، حين كنا نبكي سويًا، مجدافنا النظرات، حديثنا نبضاتنا معًا، كم كانت تتعانقان بلا حس، شيء أبعد ما يكون عن الحس، عاشقان، امتزاج روحيهما، امتداد العشق في أفئدة العشاق، لتستمر حكايات العشق، إذًا.
الراحلون، قبلاً كانوا بيننا، تأخذنا المسافات بعيدًا عن محياهم، نلهو عبر تيه الضوء، نملئ المدى ”خربشات“، ليس لأجزائها معنى، لأنها افتقدت كل المعاني. ”خالتاه“، أتذكرين القبلة الأولى، البسمة الأولى، يداك حين تداعب شعري، لتعمق كل الحنان في وجنتي، أبصرك حينها، يا ترى فيما أنت كنت تبصرين. أكانت أناملك، تصيغ لغة الوداع، الفراق الطويل، أكنت تهمسين في أوجهنا البائسة، لترشفيها قطرات ماء الحياة، أي التفاصيل، يستطيع اليراع توصيفها. صعب ”خالتاه“، أن يغامر اليراع في توصيف الذات وكل الذات ”أنت“، إلي ”خالتاه“، لنبكي سويًا، لننقش قصتنا الأولى، بداياتها، كأوراق الربيع، كرائحة البنسج، تشتاق كلينا، لنكتب نهايتها، بكل الدموع، التي تعرفينها ولا أعرفها، بكل الحنان، الذي احتوانا، ليحتويك أصابع، تلامس تراب قبرك. لم تعد الأشياء من حولي، أشياء، لأن مسافة البصر ما بين عينيك وعيني، لا أبصرها، لا شيء سوى الغياب، عذابات أمنياته.
هكذا نحن ”خالتاه“، تشغلنا الدنيا، أحلامها وآهاتها عن أحبتنا، بعدها، يعذبنا الأسى، يدخلنا كهفًا لا حدود له، أفيض عن جسدك، كل غبار البعد، امنحيني وجهك مرة أخرى، لأقبل جبينك ويديك، انغرس في ذاتي الآن، لأعيشك أزمانًا، دقائق ولحظات. يا كل الذين أحبهم، أفيضوا على أحبابكم كل الحب، أزيلوا كل الآه. هي الحياة ذات لحظة، تدخلكم عنوة في الآه، لتكون آهات وحسرات. إن الحروف ظمئ، كجسد مترهل، الآن يذرف الدموع، كطفل، يفتقد للتو أمه الحنون، لأمهاتكم وأمهاتنا من رحلوا عن دنيانا كل الرحمة والغفران، لأمهاتكم وأمهاتنا من على البسيطة، يمنحونا ويمنحوكم طهر الحياة، الرفق والحنان، وقبلة جبين، هن الحياة، كونوا لهن الحياة.