الأزمة الكورية على صفيح ساخن!
تتجه أنظار العالم والمجتمع الدولي بقلق وخوف شديدين، إلى ما يمكن أن تسفر عنه الأزمة الكورية من تصعيد وتداعيات خطيرة، من شأنها تهديد الأمن والسِّلم على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فيما يعتبر أخطر أزمة جدية منذ نهاية الحرب الباردة من وجهة نظر الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك في ضوء إصرار كوريا الشمالية على المضي في برنامجها النووي العسكري والذي أعلنته لأول مرة في أكتوبر 2002، بما في ذلك إجراء وتطوير تجاربها الصاروخية «البالستية» طويلة المدى العابرة للقارات والقادرة على الوصول للولايات المتحدة، وكذلك تطوير تجاربها النووية والتي توجتها وفقاً للمصادر الكورية الشمالية، وأكدتها مصادر الاستخبارات الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية، قيامها بإجراء تجربة ناجحة لقنبلة هيدروجينية في مطلع شهر سبتمبر الماضي، وقد أعلنت بيونغ يانغ أنها أنتجت قنبلة هيدروجينية قوية وصغيرة بما يسمح بتثبيتها في صاروخ بعيد المدى، وقد سبق أن أجرت كوريا الشمالية 5 تجارب نووية كان آخرها وأقواها في سبتمبر - أيلول الماضي، كما أنها في شهر أغسطس الماضي، أطلقت صاروخاً مر فوق أراضي اليابان. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى ماذا ستؤول إليه الأزمة الكورية في ظل إصرار كوريا الشمالية على المضي في برنامجها النووي متحدية العقوبات الأممية وضغوط وتهديدات الولايات المتحدة وحلفائها، ناهيك عن مطالبات وضغوط الصين التي تُعَد حليفتها الوحيدة، ومعها روسيا؟ من المعروف أنّ شبه الجزيرة الكورية شهدت اندلاع حرب دامية في عام 1950، فيما يُعَد أول عمل عسكري في مرحلة الحرب الباردة، حيث زج بنحو 75 ألفاً من جنود جيش الشعب الكوري الشمالي عبر الحدود مع كوريا الجنوبية والتي كانت تعرف بخط العرض 38، والذي كان يمثل الحدود بين جمهورية كوريا «الشمالية» المدعومة من قِبل الاتحاد السوفيتي والتي كان يسودها نظام ستاليني، وجمهورية كوريا الجنوبية الموالية للغرب في الجنوب، وذلك الهجوم كان تحت شعار تحقيق الوحدة الكورية الذي رفعه زعيم كوريا الشمالية كيم إيل سونغ.
ومع أن الحرب وضعت أوزارها في عام 1953 غير أنها خلّفت حوالي 5 ملايين قتيل من مدنيين وعسكريين، في حين بلغ عدد قتلى وجرحى الولايات المتحدة وحلفائها تحت مظلة الأمم المتحدة أكثر من نصف مليون شخص، ناهيك عن أسر الآلاف من الجنود الأمريكيين، وظلت شبه الجزيرة الكورية مقسمة حتى يومنا هذا.
ينسب إلى وزير الخارجية الأمريكي إبان الحرب الكورية دين أتشيسون، قوله «إذا حاولت أفضل الأدمغة في العالم أن تجد لنا أسوأ موقع في العالم لخوض هذه الحرب الملعونة، لكانوا أجمعوا على كوريا».
هذا التصور الأمريكي عن حرب تقليدية في كوريا، فماذا قد يحصل في حال اندلاع صراع غير تقليدي، قد يتضمن استخدام الأسلحة النووية، وهو وارد بل وحتمي في ظل التهديدات المتشنجة من قِبل كوريا الشمالية والولايات المتحدة في الآن معاً.
وفقاً لصحيفة «ذا ديلي ميل» البريطانية، يبدو أنّ تهور، كيم جونغ أون، كان أحد الأسباب الرئيسية، التي دفعت ترامب في التراجع عن ضرب كوريا الشمالية، خشية أن يضع جميع أنحاء منطقة شرق آسيا في خطر بالغ.
وقالت الصحيفة البريطانية: «رغم أنّ ترامب ينظر إليه على أنه متهور، وقد يتخذ قرارات متهورة، لكنه يدرك متى يمكن التوقف، وهو يدرك جداً أنّ أي نزاع مع بيونغ يانغ سيكون مدمراً بصورة غير مسبوقة للمنطقة، وينذر بحرب عالمية حقيقية».
ونقلت الصحيفة البريطانية عن المحلل السياسي، مارك ألموند، قوله: «زعيم كوريا الشمالية يدرك أنه رغم تهديداته لأمريكا لن يفوز، ولكن ترامب يدرك أيضاً أن قرار حربه بمثابة انتحار، كليهما يعلم جيداً أنه لو اختار الدخول في حرب سيحول بلده «وحلفاءه» إلى حمام دم، كما سيتعرض لإهانة كبيرة يصعب عليه التراجع بعدها». من جهة ثانية أعلنت الصين وروسيا إدانتهما للتجارب النووية الكورية الشمالية، لكنهما عارضتا بشدة نهج التصعيد العسكري من خلال المناورات العسكرية الأمريكية، ونشر نظام صواريخ ثاد في كوريا الجنوبية، كما اعتبرتا إطلاق التهديدات وتشديد العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية غير مجدٍ، وأنّ حشرها في زاوية سيدفعها إلى مزيد من التهور، وهو ما من شأنه تعريض الأمن والسلام في المنطقة والعالم إلى مخاطر كارثية، وبالتالي فإنّ المدخل الحقيقي يتطلب استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية، والتوصل إلى تسوية متوازنة مع كوريا الشمالية عن طريق الحوار والمفاوضات، وبما يساعد على تبديد مخاوفها من استهداف إسقاط نظامها.