الإبداع عنصر مجهول في المجتمع
لا يحتاج تكوين المبدعين إلى بيئة فارهة، لكنهم يحتاجون إلى عائلة تحتويهم ليس بالضرورة أن تكون العائلة التي تحتوي على مبدعين مثالية ومتكاملة، لكن المبدعين يظهرون من خلالها، وهناك عوامل تثير حالة الإبداع لدى الفرد دون التوجه لها، لكنها قد تكون الشرارة الأولى التي ينطلق منها الفرد للإبداع، كأن يترافق أفراد العائلة إلى معرض للعلوم أو الفنون فتنتفض تلك الميول من سباتها أو يُهدى ما يثير مخيلته، فانجذب أينشتاين للفيزياء حين أهداه عمه بوصلة، وأغراه تحرك إبرة البوصلة بقوة خفية، كما أن جيمس واطسن الذي حصل على جائزة نوبل مناصفة مع فرانسيس كريك لعملهما على الحمض النووي واللولب المزدوج يشير إلى أن قراءة كتاب والذي نعتبره فعل اعتيادي حرك بداخله الدافعية للبحث، فيقول ”منذ اللحظة التي قرأت فيها ما هي الحياة، كرست كامل جهدي لاكتشاف أسرار الجينات“.
من خلال هذه المقدمة البسيطة، يتأكد لنا أن الإبداع متوفر في أي فرد لكن انطلاقته من الذات الإنسانية ومقياس الدافعية والرغبة للبحث وتحقيق المطلب مختلف من فرد لآخر، لذلك هناك فرق بين الذكاء والإبداع، فالذكاء التقليدي متواجد لدى البشر من أجل البقاء والتعلم وغيره، لكن الإبداع ينمو ويثمر إن وجد في البيئة المناسبة حيث لوحظ يمكن قمعه بسهوله في بيئات التعليم أو بيئات الاختبار، يرجع السبب أن النظام التربوي يعتمد على التفكير التقاربي «تذكر إجابة صحيحة أو تقليدية واحدة أو التوصل إليها» وليس التباعدي «توليد عدد كبير من الأفكار»، هنا نجد أن المدرسة ليست البيئة الخصبة لتنمية التفكير الإبداعي لاعتماد نظامها التعليمي على التلقين، والذي يكون أفراد غير قادرين على التفكير الإبداعي القائم على الانفتاح الذهني والمعرفة.
يقال أن الحاجة أم الاختراع وأن الشدائد تصنع إنسانا جلُدا مسؤولا، وهنالك دراسة قام بها جورتزل وجورتزل، وجدا في تحليل بيانات السير الشخصية لحوالي400شخصية بارزة، أن معظمهم عانوا في طفولتهم من الصدمات والحرمان والإحباط والصراع النفسي الذي يعتقد أنه لو تعرض أي إنسان لها ستودي به إلى الأمراض العقلية أو الانحراف، ويقول ماكينون: ”إن تاريخ حياة الأشخاص ذوي الكفاءة العالية والاستثنائية تتميز بالإحباط الشديد، والحرمان، وخبرات من الصدمات النفسية“، ومن خلال الملاحظة والتأمل أن الأفراد الذين اعتادوا على الاستهلاك هم أفراد يفتقرون إلى الإبداع، فليس هناك حاجة للبحث والتفكير والإنتاج، إذ هنالك أفراد دفعتهم الحاجة وألهمتهم المعاناة أن يكونوا مصدرا للإنتاج والانجاز الفكري أو المادي لأولئك المرفهين.
فالأفراد المرتاحين والقانعين لا يكونون مبدعين بسهولة، فعملية تكون الذات المبدعة تتعدد لها المراحل الحياتية، ويمكن ربطها بمرحلة النضج، حيث تبدأ سماتها بالوضوح والظهور، كما أن البيئة العائلية والوالدين يزودان الفرد بخبرات تؤثر في قدراته الإبداعية تأثيرا جذريا، قد تكون تلك التأثيرات من غير دراية منهما، لذلك الإبداع يتخلق لدى الفرد بصورة مجهولة في بدايته سواء في الوسط العائلي أو المجتمعي ثم ينهض ويكون بارزا على شكل انجاز أو الهام للآخرين.
طبعا عملية الإبداع للفرد تتعطل أو تتخذ مسار مختلفا يرجع ذلك التغير إلى الصحبة التي يتخذها الفرد المبدع لنفسه، فإن صحبة أفراد لا يملكون أي مقومات الإبداع أو الهمة والسعي، يقهقر الاندفاع ويقطع الرغبة وهذا ما يعرف بالتأثير الجمعي، لذلك نلاحظ أن من سمات المبدعين الاستقلال في الفكر والشخصية والإدراك وغيره.