آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

التفكير البائس

كمال أحمد المزعل *

إن من أبرز المبادئ الثقافية لطرح موقف ما، هو إتاحة المجال للطرف الآخر ليبدي رأيه في ذلك الموقف، مهما كان حجم الاختلاف، دون تجاوز شخصي، فالفكرة تقرع بالفكرة، كما الحجة تقرع بالحجة، وكما قال فولتير، قد اختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك..، وهنا لست بصدد التعليق أو الرد على أحد، ولكن من باب التطرق إلى ألف باء الكتابة الحرة السليمة، ودعونا في هذا الإطار نستعير بعض الكلمات ممن سبقنا، فنقول..

من اليسير أن يجد المرء تبريرا لعامة الناس، عندما يسمحون لأنفسهم بإبداء رأيهم تجاه قضايا المجتمع، ولا يسمحون لسواهم من شخصيات وكتاب ووجهاء، وإذا اختلفوا معهم - نجد البعض - يمطرونهم بوابل من الكلمات الجارحة وربما السباب، دون وازع من دين أو ثقافة حرة.

كذلك يمكن أن يخترع العقل التبريري حججا كثيرة، من المكن التعاطي معها واستعمالها، بالنسبة لأولئك الذين للتو دخلوا معترك العمل الثقافي والسياسي والحقوقي، ومتابعة حقوق المواطن.

ولكن ماذا بالنسبة لمن بلغ من العمر - السياسي - عِتيا، كيف يمكن أن نعذره عندما لا يسمح لطرف آخر أن يبدي رأيه، عندما يصادر حق الآخر في إبراز وجهة نظره، وهو مبدأ من المفروض أن ينادي به كل سياسي يطالب بالحرية والديمقراطية، فحرية إبداء الرأي مكفولة ومصانة، وتقر بها كل الأنظمة والقوانين العالمية التي تطالب بحقوق الإنسان، فبدل أن يهاجم الفكرة وينتقدها، نجده يهاجم الأشخاص، ومن جانب آخر وفيما يتعلق بالأوضاع في منطقتنا، نادينا مرارا بضرورة التصريح وبشكل أكثر وضوحا، والإعلان في أكثر من وقت ومكان بالموقف الرافض للعنف، والمتعاملين بالعنف، لذا كنا نعتقد أن الشخصيات الاجتماعية والثقافية ربما تأخرت، أو أنها لم تُظهر موقفها بالصورة الكافية والحاسمة والمتكررة، ولها العذر في ذلك فتارة لأنها تعتقد أن موقفها واضح ولا توجد حاجة لتكرارها، وتارة أخرى خوفا من أولئك «الأحرار» الذين قد يهاجمونهم أو يقوموا بتصفيتهم، عندما يظهرون وجهة نظرهم، دون وازع من دين أو منطق أو عرف أو تقاليد، والشواهد على ذلك كثيرة.

لذا فالإفصاح عن الرأي الواضح المتضمن نبذ العنف بكافة أشكاله وأنواعه، تحت أي مبرر مسألة منتهية وواضحة، ومن حق أي طرف أن يبدي رأيه تجاه أي قضية، ومن جهة أخرى فإننا قد نختلف مع طرف أو أكثر حول قول أو فعل، ولكن عندما يكون هذا الرأي آو الفعل مسيء لنا، ومضر بنا ويعرض أمننا واستقرارنا بل وحياتنا للخطر، فمن حقنا بل من واجبنا أن نعترض عليه وبشده، ولسنا بحاجة إلى تنظير آو فلسفة، فسلامتنا وحياتنا، وحاضرنا ومستقبلنا قبل كل شيء، فالأفكار لا يجوز حظرها ولا الوقوف أمامها.

لذا فإنني أعتقد أن هذا الرأي هو الرأي السائد عند غالبية أبناء المنطقة، ومن لديه اعتراض عليه فهذا شأنه وحقه، إلا أن مهاجمة هذا التيار الواسع الذي يؤمن بهذا الموقف، أمر مرفوض ويعبر عن تفكير بائس لا يمكن القبول به.

سيهات - عضو مجلس بلدي سابق - راعي منتدى سيهات الثقافي