هل المبتعثون جمار الشيطان!
عزيزي القارئ الكريم، أحاولُ في هذا المقال أن لا أكون قاضياً فأُصدر حُكما على أحد، ولا حاضرا يميل لكفة فرد، وإنما شاهداً يدلي بما رأى وسمع، راجياً منك نسيان عنوان المقال، ووضع نفسك قاضيا على هذه المفردات!
محكمة..
في عام 2005 م دخل التعليم لدينا منعطفاً تاريخياً عندما أَعلن برنامج خادم الحرمين الشريفين بِدء الإبتعاث الخارجي على نفقة الدولة، والذي تسابق عليه أبناؤنا للحصول على حُظوةٍ للإلتحاق به، ولِما للإبتعاث من منافع وفيرة تثري الأفراد بشكل خاص بالخبرات والمعارف، والمجتمع بشكل عام بالتطوير والنهوض، وما هذه إلا نزرٌ يسير من ثماره المتنوعة والقارئ فطن بغيرها،، فذهب من ذهب بما يحمل في عقله من فكر وفي قلبه من دِين، فكان التطلع للأول أولى من الثاني، حتى تصرمت سنوات التأهيل وتخرجوا بعد التحصيل، فعادوا إلى ديارهم، فعشتُ بينهم، فمنهم القريب ومهنم الغريب، حاورت أحدهم أعرفه معرفةً عميقةً عن قلة تفاعله عما كان يفعل قبل الإبتعاث من حضورٍ للمناسبات الدينية الرئيسية، كوفاة النبي الأكرم ﷺ وسيد الشهداء ، فقلت له مفاكها: أمريكا ليس لديهم قراءة حسينية مثلنا، فباغتني بكلماتٍ قاسيةٍ، جعل فيها المنبر سببا رئيساً لتخلف المجتمع وأن من يرتقيه تتوقف عقارب عقولهم عن الدوران، وبأنهم لاينظرون للواقع بعين المستقبل، ربما صدمتني إجابته هذه، لكني اعتدتها عند البقية اللاحقة، حين أسمع إجاباتهم على أسئلة سطحية أو عميقة، وعلى قصصهم المدهشة بالنسبة لإناس عرفتهم سابقا، فمنهم من انفصلت عنه زوجته صوناً لحجابها المهتوك في زمن المستقبل لو اكتمل حفل الزفاف، وآخر ذهب عازبا لعامين عاش ليله حياة المتزوجين، حتى أعاده والده بعد خلاف العاشقين، وثالثُ لم تعجبه آيةُ صلاة المحافظين، فتعمد أن يكون عنها من الغافلين، غير مقتنع أنها ركن من أركان الدين، وما أصابني بالذهول عندما أخبرني أحدهم أن الدين يقيّد الإبداع بوضع الأحكام الشرعية، وأنه يعمل بالأحكام التي يراها مناسبة لعقله، بغض الطرف عن رأي الفقيه فيها!! وهذه كانت عينة أحداث قليلة أستشهدتُ بها عليهم!
سادتي القضاة..
منذ أكثر من 7 أعوام وأنا أرى مواقف مختلفة، وأحداث متنوعة، استوقفتني لأتساءل مع نفسي، بأن هؤلاء المبتعثون ذووا كفاءة في تخصصاتهم العلمية، لكن لماذا هذا التغير الكبير في الجوانب المتعلقة بالدين بعد الإبتعاث، ماهو الجانب المعرفي أو المعيشي الذي إطلعوا عليه فأحدث هذا التغيير؟ وهل توصلوا إلى خلل بارز في المجتمع من خلال ممارساته الدينية وضَّح لهم الصورة الداكنة والتي سببت الفرقة والتراشق جعلهم يتخذوا مسار التخلي عنه إيثاراً على تصحيحه؟، وكيف سيكون المجتمع مستقبلا في وجود مبتعثين أكفاء علمياً وغير ناضجين دينيا ً؟، وهل من الأساس هناك تغير ديني فيهم أم لا؟
وياترى هل ذهب أبناؤنا إلى الغرب ولم يتعاطوا جرعات مضادة تحميهم من الفيروسات المتغيرة الضارة على العقل والقلب؟ وأينهم أطباء القلوب والآباء عنهم؟
خلاصة ما أحببت أن أشهد به، بأن نسبةً كبيرةً من المبتعثين للغرب تغيرت حياتهم الدينية، فهل هذا التغيير سيحدث أثرا كبيرا في المجتمع عندما نعلم بأن عدد المبتعثين عام 2015 م كما أعلنت عنها الملحقية الثقافية قرابة 125512 طالبا وطالبة، وماهو نوع هذا التغيير؟ وهل فَكرّنا في هذا الجانب؟
وأنت سيدي القاضي «القارئ» مُطّلع على قصصهم من خلال الشهود أو الإعتراف أو المعرفة، وبقي عليك أن تحكم في هذه القضية بالحكم الذي تراه مناسبا لمستقبل المجتمع على ضوء ما أدلى به الشاهد، أو أن ترفع الجلسة لأيام آخرى تتضح الصورة فيها أكثر، على أن تكتب عنوان المقال كما في بدايته دون أن تنسى نقطة جمار!
رفعت الجلسة..