لا تَعُدُّوا السنين.. عِيشُوها!
للظرفاء أساليبهم الخاصة في التعبير عن آرائهم، فالشيخوخة عند الممثل الكوميدي الأمريكي بوب هوب تبدأ عندما تزيد تكلفة الشموع على تكلفة كعكة الاحتفال بيوم الميلاد. «أذكّر مرة أخرى أن هذا المقال مزيج من الجد والهزل كسابقه». وأعود إلى السؤال الذي طرحته في المقال السابق «هل الكبر شين؟» فأقول: إذا كان الأمر كذلك، فما معنى الاحتفال بيوم الميلاد كل عام؟ وإذا كانت الحال كما صورها فريد الأطرش في أغنيته «عدتَ يا يوم مولدي» وفيها يرثي ضياع الصبا، ويتذمر من غزو الشيب للمفرق، فما المبهج في انصرام عام من عمر الإنسان؟
ربما يجد الكبير معنى آخر للتقدم في السن، فيحتفل تعبيرا عن الابتهاج بمرور عام وهو على قيد الحياة. أما الفتى المراهق فإن التقدم في السن يتيح له ما لم يكن متاحا له وهو قاصر. وأما الطفل فيفرح بالهدايا التي تقدم له في هذه المناسبة! لكن للتقدم في السن فوائد أخرى قد لا يراها بعض المسنين، ومنها أن الشخص المسن يستطيع أن يتخذ من التقدم في السن ذريعة للتملص من القيام ببعض المهام والمسؤوليات التي لا يرغب في القيام بها. وأن يدعي النسيان متى شاء، مثل نسيان تسديد المبالغ التي اقترضها، وإعادة الكتب التي استعارها، وطلبات «المدام» التي لا يريد أن يلبيها، ويستطيع، كذلك، أن يضلّ الطريق إلى البيت، وأن يلعب «الغميضة» فيختفي أربع سنوات، ويلقي باللائمة على مرض الزهايمر و.. «الكبر شين»!
وبخلاف أولئك الذين يعترفون بالتقدم في السن ويسلّون أنفسهم، على طريقة ناظم الغزالي في أغنيته الشهيرة، يرى الكاتب الظريف جيمس سنايدر بأنه توجد ميزات جمة للتقدم في السن إذا عرفنا كيف نستفيد منها بطريقة عملية إيجابية. وكيف نتخذ الشيخوخة مشجبا نعلق عليه كثيرا من الأمور. لنعد إلى الجد قليلا.
ونقتبس اقتراح الشاعر الروماني أوسنيوس القائل: «لا تَعُدُّو السنين.. بل عِيشوها».
وهي عبارة توضح الفرق بين شيخوخة وأخرى، أو بين شخص يعد السنين دون أن يعيشها فتبدو شيخوخته شبيهة ب «حطام سفينة» حسب وصف الرئيس شارل ديغول للشيخوخة، وآخر يتجدد حاملا معه طفولته وعنفوانه. يطرز بالرائع والممتع ساعات حياته. وكأن شذا النبتة التي حملها جلجامش تسرب إلى روحه. وبعد: هل الكِبَر شين؟ غالبا ما تأتي إجاباتنا عن هذا السؤال متفقة مع طريقة تفكيرنا، وكيفية نظرنا للأشياء، وأسلوب حياتنا. لذلك ففي المسألة، دائما، أكثر من قول.