أعرف كل شيء
كما يحدث مع الجميع يحدث معي وكما سأنتقد الآن فأنا محل النقد كما باقي الفاعلين. أغلاطنا حصانة المستقبل من الأستمرار في الجهل، وهي تغدو ثقافة حين نصححها ونسعى لأن نكون على نحو أفضل، لا كالذين يتصورون أنهم يعرفون كل شيء ويصرّون على آرائهم كما لو كانت مقدسات لا تمس. كنت سابقاً هكذا؛ ولذا أقول ان السبيل لن يكون سالكا من غير التطيهر للذات والرغبة في ان نكون أفضل من السابق وأن نودع الجهل وداعاً أخيراً..
لست آمرة وإنما أنقل ما قد بدأ يحدث معي بغرض النصح. حين نعرف مسألةً ما وندركها فنحن لسنا على يقين بكل شيء نعرفهُ أو حتى ندركه، وليست أعمارنا دليلاً على ثقافتنا، فالذي أصبح عمره يناهز الخمسين ليس شرطاً أن يكون أعلم ممن عمره لازال في العشرين، حتى لو حمل الأول الشهادات التخصصية في جميع أمور الحياة، فهو يبقى على يقين مما درسه وبحث عنه وتعب وسهر الليالي على ذلك، فليس من المتخيّل بأن المتخصص في علم الأمراض الباطنية سيكون قادراً على أصلاح عينك التي تعاني التهابا، وكذلك لا ينبغي أن يخيل إليك بأن أباك يعرف أكثر من أبنك، ولا أستاذ الكيمياء عارفٌ بالقلوب المنكسرة.
لكل منا شيئاً يميزه ويعرفه حق المعرفة فلا تستطيع مجابهته آنذاك. لذلك حين نكون بين الأهلِ والأصدقاء، لنحذر من الأصرار على آرائنا بل ننصت لكل المتحدثين وأن نضع أدلتنا حين نريد المعارضه، وأن لم نملك دليلاً فلنبحث ولنتثقف فيه أكثر، فكثرة السؤال تصلنا لثبات على آرائنا بدلائل موثوقة.
وليكن الإنصات سبيلنا نحو تكوين الرأي واتخاذ الموقف. ولي ان اقتبس في هذا المقام مقولة الأخصائية الاجتماعية نجاة هلال حول الإنصات، حيث نسبت جريدة الإتحاد الاماراتية لها القول ان الإنصات يساعد على مشاركة الآخرين شعورهم وفهم وجهة نظرهم وتقديرها والتعبير عن الذات وتأكيدها. بالإضافة إلى التدريب على النقاش والحوار الهادف وفهم أساليب التفكير.
ومن جميل ما قرأت في هذا المجال أن مزارعا فقد ساعة يد وسط كومة من القش فلما عجز عن إيجادها استعان بصبيان في البحث عنها حتى يئسوا من إيجادها هم أيضا، غير ان أحد الصبية طلب اعطاءه فرصة ثانية للبحث عن الساعة بمفرده، وما لبث أن عاد وقد عثر عليها، ولما سأله المزارع عن سر عثوره على الساعة في حين عجز الجميع، قال الصبي لم أفعل شيئا سوى أني أصغيت السمع وأنصت جيدا في جو من الهدوء والسكينة حتى سمعت دقات الساعة فتبعت مصدر الصوت وعثرت عليها.
ولهذا أقول لا تعارضوا سريعاً، ولا تستمعوا، بل أنصتوا؛ ففي الأنصات محاولة فهم وفي الاستماع محاولة هجوم على آراء لربما تكون خاطئة.