استفتاء إعلان استقلال كردستان والتحديات الجيو - سياسية
أعلن رئيس إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق مسعود برزاني عن تنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول - سبتمبر المقبل رغم معارضة بغداد والعديد من الدول المجاورة التي تضم أعدادًا كبيرة من الأكراد مثل تركيا وإيران وسوريا، والتي تخشى من تأثير قيام دولة كردية مستقلة على تقوية النزعات الكردية الانفصالية لديها.
كما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية الحليف القوي للأكراد من مغبة إجراء الاستفتاء في الظروف الراهنة، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان «نقدّر تطلعات إقليم كردستان العراق المشروعة لإجراء استفتاء الاستقلال» لكن إجراءه قد يصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش.
وقد تضمن بيان لرئاسة إقليم كردستان «تم تحديد يوم 25 أيلول - سبتمبر 2017 لإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم».
وأضاف البيان أنه «سيصوت في ذلك اليوم سكان منطقة كردستان وباقي المناطق المتنازع عليها ليقولوا: إن كانوا يقبلون الاستقلال».
الجدير بالذكر بأن عبارة «المناطق المتنازع عليها» تشير إلى مناطق في شمال العراق وخصوصا محافظة كركوك المتعددة الإتنيات والغنية بالنفط التي يطالب الأكراد بها في حين ترفض ذلك السلطات المركزية في بغداد. وقد تم تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني وممثلي الأطراف الكردستانية الأخرى لإكمال إجراءات الاستفتاء.
وكردستان المكون من ثلاث محافظات في شمال العراق يتمتع بالحكم الذاتي منذ 1991 والذي تحقق في أعقاب حرب الخليج الثانية، وانكفاء سيطرة الحكم المركزي في بغداد. ويعتقد على نطاق واسع بأن أغلبية أكراد العراق البالغ عددهم نحو 4,6 ملايين نسمة ستؤيد الاستقلال عن العراق.
الأكراد مكون قديم من مكونات المجتمع العراقي ومن مكونات دول أخرى في الشرق الأوسط وفي آسيا. ويقدر عددهم بخمسة وعشرين مليونا يتوزعون بين خمس دول 46 في المائة منهم في تركيا، و31 في المائة في إيران، و5 في المائة في أرمينيا وسوريا، و18 في المائة في العراق.
ومع بداية القرن العشرين، اشتدت المشاعر القومية والتطلع نحو الانعتاق والاستقلال القومي عند أمم الشرق الخاضعة للسلطنة العثمانية وخصوصاً بين العرب، ولم تكن الحركة الكردية بمنأى عن تأثراتها، وكانت منطقة كردستان العراق في العهد العثماني تشكل جزءًا من ولاية الموصل. وبعد الحرب العالمية الأولى «1914 - 1918» وتفكك السلطة العثمانية كان الكُرد، كغيرهم من الأمم، يطمحون في أن تكون لهم دولتهم القومية الخاصة بهم، وقد أقر الحلفاء لهم هذا الحق في معاهدة سيفر في 10 - 8 - 1920، ومن بين بنودها نصت على قيام دولة كردية. ولكن رفض الإنكليز بعد ذلك هذا الحق، فألغيت هذه البنود وفق معاهدة لوزان في عام 1923، التي حلت محل معاهدة سيفر. وهكذا تم تقسيم أرضهم كردستان، على أربع دول محيطة بها.
الحلم الكردي بقيام كيان قومي قديم، وهو يندرج ضمن حق تقرير المصير للقوميات المختلفة، غير أنهم اصطدموا بمقاومة ورفض من قبل دول قوية مثل تركيا وإيران والعراق وسوريا.
لكنه وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 أصبح لأكراد العراق وضع خاص بهم إذ استطاعوا أن يحققوا في المنطقة الآمنة الذي وفرته حماية الطيران الأمريكي والبريطاني «كيانًا خاصا بالأكراد. وفي مايو - أيار 1991 قام الأكراد بإجراء انتخابات لتشكيل برلمان لهم وتناصف الحزبان الرئيسان مقاعد هذا البرلمان، وأعلن عن تشكيل حكومة في يوليو - تموز 1991. بيد أن التنسيق بين الحزبين سرعان ما انهار واندلعت صراعات دموية طاحنة بين الجانبين.
مع الإقرار بحق القوميات في تقرير مصيرها بحرية وبدون إكراه، وذلك وفقًا للمبادئ والأعراف والقوانين الدولية، غير أن التساؤل هنا: هل حق الطلاق يعني بالضرورة إمكانية الطلاق؟
القضية الكردية ليست قضية محلية «كردية» أو وطنية «عراقية» معقدة وشائكة ومتداخلة ومليئة بالمخاطر الجدية فقط، فهناك تداخلات جيو - سياسية إقليمية ودولية، وأبعاد اجتماعية - اقتصادية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها.
نستحضر هنا التجربة المرة وغير الزاهية على الإطلاق لانفصال جنوب السودان في عام 2011، رغم كونه غنيًا بالنفط على غرار كردستان، غير أنه ومنذ الاستقلال وحتى وقتنا الحاضر عد جنوب السودان ضمن قائمة الدول الفاشلة، حيث تطحنه الحروب الأهلية، والانقسامات والصراعات العمودية والأفقية بين المكونات القبلية والإثنية، والذي نجم عنه مقتل وتشريد مئات الألوف، ناهيك عن الفقر والمرض والجهل والبطالة التي تفتك بالغالبية الساحقة من السكان.