آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الإعانة والإهانة

وديع آل حمّاد

ما الفرق بين الإعانة والإهانة؟

تحفل اللغة العربية بمجموعة كبيرة من المفردات المتشابهة فيما بينها هيئةً وبناءً وشكلاً وصياغةً ووزناً وإيقاعاً ونغمةً، إلا أنها تختلف في حرف واحد، مثل حال هاتين المفردتين «إعانة وإهانة» حيث الاختلاف الظاهري الشكلي بينهما حرف واحد ولكن هذا الاختلاف البسيط يفضي إلى اختلاف دلالي.

من هذه المقدمة سأصل إلى الحكاية التي هي لب المقال:

في يوم من أيام شهر رمضان خرجت إلى البحر قبيل غروب الشمس، حيث هناك عدد لابأس به من الرجال، فمنهم من يمارس الرياضة على الشاطئ، وآخرون يستمتعون بالبحر من خلال جمال زرقة مائه، وبعضهم يمارس هواية تصوير الغروب وانعكاساته على البحر.

وفي هذا الوقت أطل على ذهني التساؤل السالف.

ومن يقرأ هذا التساؤل ومقدمة المقال يظن بأن له علاقة باللغة.

والحال بأن مقاربتي له لا تمت بصلة أو ارتباط باللغة، لا من قريب أو بعيد لا على مستوى الوضع أو الدلالة، أو بإيحائها النفسي، ولا بالنظرية الفطرية اللغوية لعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي، ولا بالنظرية السلوكية لعالم النفس الأمريكي سكينر، ولا بأي أمر له مماسة باللغة، وإن أوحت المقدمة بالاتصال والارتباط.

سؤالي له ارتباط بواقع نسائنا اللاتي يقبعن في المطبخ منذ الظهر، يعملن على تهيئة ما لذ وطاب من الطعام لأفراد الأسرة، فضلاً عن قيامهن بمجموعة من المهام والأعمال المنزلية، من كنس وغسل وتنظيف ومتابعة شؤون المنزل ونحو ذلك.

وفي خضم تحملهن إلى هذه الأعباء نحن - في قمة الاسترخاء والاستمتاع بمنظر البحر وما يرافق الغروب من هدوء وروعة وجمال مما ينعكس على نفسية المتأمل - ننتظر أن يرفع آذان المغرب لننصرف إلى منازلنا حيث مائدة الإفطار مهيئة جاهزة، حافلة بما تشتهيه أنفسنا من أطيب الطعام.

ولكن هل سألنا أنفسنا: لماذا يتحملن كل هذه الأعباء بكل أريحية وطيب خاطر؟

عندما نجد إمرأة تقوم بكل هذه المهام الجسام بروحية ملؤها البهجة والسرور، ولا ينتابها تذمر وضيق وتبرم، علينا أن نحاول معرفة السر وراء ذلك.

حيث السر وراء ذلك هو الشعور الكامن في نفسها الذي يدفعها إلى العطاء اللامحدود المتمثل في إحساسها بأن ما تقوم به هو إعانة لزوجها وأفراد أسرتها.

وقد نجد إمرأة آخرى تعيش حالة شعورية مغايرة، إذ تشعر بأن ما تقوم به من أعمال منزلية هو إهانة لها ولقيمتها الإنسانية، فتكون دائمة الشكوى والتذمر والتبرم والضيق.

وهنا يقفز إلى أذهاننا التساؤل التالي:

لماذا الأولى تشعر بالفخر والاعتزاز والسعادة والبهجة والحبور من قيامها بالأعمال المنزلية والثانية تشعر بالحقارة والمهانة من قيامها بالأعمال المنزلية؟

صحيح أن كلتيهما يتحملان مسؤولية المنزل، بيد أن الشعور مختلف.

اختلاف شعورهما اتجاه ما يقومان به يدفعنا إلى البحث عن المؤثر الذي له انعكاس على نفسية الزوجة والمشيد لشعورها الإيجابي أو السلبي.

إن صاحب التأثير الكبير في غرس الشعور الإيجابي أو السلبي في دواخل المرأة هم المحيطون بها، زوج وأفراد أسرتها. فمتى ما حظى جهدها وعطاؤها بالتقدير والثناء والشكر والعرفان، والإشادة - من الطبيعي سينعكس على نفسيتها إيجاباً، ولن يتسرب إلى دواخلها الشعور بالإهانة مما تقدمه وتصنعه إلى أسرتها، بل تشعر بالفخر والزهو لأنها عنصر فاعل في إعانة الزوج وأفراد أسرتها بما تقدم وتعطي.

أما إذا لاحظت المرأة عكس ذلك، - إذ لا تحظى بإشادة أو ثناء أو تقدير - فمن الطبيعي سينفذ الشعور بالإهانة إلى أعماقها.

فإذن نحن المحيطون بالمرأة المسؤولون عن غرس شعور الإعانة أو الإهانة في أعماقها. فرفقا بالقوارير.

وفكرة الإعانة والإهانة لها تطبيقات عدة في حياتنا اليومية والعملية. وبمقدور كل فرد منا أن يستلهم من هذه الفكرة درساً لاستخدامه على أكثر من صعيد. صعيد علاقة الرئيس بمرؤسيه وعلاقة الصديق بأصدقائه وعلاقة الأب بأبنائه.

ومن باب المقايسة أود أن أذكر موقفين حدثا لي في أثناء مسيرتي العملية:

مدير من المدراء الذين عملت معهم قد أسند لي مهمة ليست من مهامي كمعلم، فتبرمت وتذمرت ورفضت القيام بها وشعرت بالإهانة والإذلال.

وفي نفس العام قد تغير المدير وجاء محله آخر. وبعد فترة من استلام المدير الجديد مهمته أسند لي نفس المهمة الذي أسندها لي المدير السابق إلا أني قمت بها على أكمل وجه بكل ارتياح وسرور دون تبرم أو اعتراض.

والسبب يعود إلى طريقة ومنهجية الرئيس في تعامله مع مرؤوسيه، حيث كان الأول يفتقر إلى أسس التعامل الإنساني، والآخر تعامله الإنساني يدفعك إلى تلبية ما يسند إليك وإن لم تكن من مهامك، من منطلق شعورك بإعانة من يستحق الإعانة.

وآخيراً: لنعمل جاهدين على غرس شعور الإعانة بدلاً من شعور الإهانة في نفوس من يحيط بنا - بالتشجيع والتعامل الإنساني - من زوجة أو ابن أو صديق أو مرؤوس. حيث بغرسنا هذا سنستمتع بثمرة عطاء من نغرس في داخله شعور الإعانة.