آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

كلمة تأبينية بحق «شهيد القرآن»

انتصار الصفار *

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رضىً بحكمه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، محمد وعلى آلة الطيبين الطاهرين.

يقول تعالى: ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون.

1 / أبا أحمد. يعز علي أن أقف مثل هذا الموقف الذي لم يدرج ضمن خطة المجلس السنوية ولم يكن من برامجه في التقويم الشهري الذي اعتدنا أن ترسله إلينا، إلا أننا - نحن كإدارة وكلجان قرآنية - نتشرف ونفتخر بك شهيدا سعيدا ممهدا لدولة مولانا صاحب العصر والزمان.

أبا أحمد. خسرك المجلس! نعم، خسرك كما خسرك أهلك ومحبوك، إلا أننا ربحنا رضى الله وقربه، فنم قرير العين فما بنيته وشيدته سوف يكمل كما ابتغيته، وكما كانت رؤيتك له، بعون من الله وبتوفيق منه وبتعاون جميع من أحبك.

2 / مصاب زاد جراح قلب مولانا صاحب العصر والزمان إلى جروحه، ونحن إذ نرفع التعازي إليه كأنا نراه بك مهنئا للتضحيات ولتعبيد الطريق إليه ولتعجيل فرجه الشريف، حيث وردت عنه هذه الرواية: «إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم. فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا».

كيف لا والامام علي يخاطب صاحبه رميله: «”يا رميله: ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا ومرضنا لمرضه ولا يحزن إلا حزنا لحزنه“. يقول رميلة: جعلت فداك يا أمير المؤمنين هذا لمن كان معكم في المصر «أي في بلادكم»؟ أرأيت إن كان في أطراف البلاد «الأرض» قال: ”يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الارض ولا غربها“».

3 / احبتي أهل الشهيد السعيد رغم فادح المصاب وجلله الذي وقع عليكم وعلى جميع المحبين وعلينا - نحن إدارة المجلس القرآني المشترك - بقسميه الرجالي والنسائي إلا أننا أبينا إلا أن نكون معكم قلبا وقالبا، فمصابكم مصابنا وجرحكم جرحنا، وقلوبنا قبل أجسادنا معكم، تشارككم هذه المصيبة التي لم تكن بالحسبان المادي لدي الجميع، إلا أنها حتما كانت مخططة ومحاكة بيد إلهية ربانية ألبسها من اصطفاه واختاره إليها، وهو مستحق لها، فهنيئا له هذا اللباس الإلهي المبارك الذي زُين به، وما هذا إلا نتاج لتربية ودعاء خالص من والدة مؤمنة، فكان لها قرة العين كما قال تعالى: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.

4/ احبتي جميعا أنا هنا لست بصدد ذكر سيرته العطرة التي لم تخف على أحد ولا لذكر انجازاته الوضاءة في المجلس القرآني المشترك، فالكل أسهب وكتب وأشاد بذلك من قريب أو من بعيد، أنا هنا من واقع المسؤولية انطلق وبصفتي رفيقة عمل مع الشهيد السعيد في معظم تحركاته في المجلس أذكر ثلاث صفات بارزة كان السعيد يتمتع بها وهي:

1. القيادة المؤثرة:

لقد كان شهيدنا العزيز قائدا مؤثرا بكلمته، برحابة صدره وسماحة أخلاقه، يبث روح الحماسة ي الجميع، وهذا ما سمعتموه في آخر ليلة له في هذه الدنيا الفانية عند تشجيعه للأشبال بالمواصلة على درب القران، حتى أن أحدهم - كما حدثتني والدته - عاد غلى البيت مستبشرا فرحا بما وعى من الكلام الذي سمعه.

فقيادة المجلس لم تزده إلا تواضعا ولم ينتفع بها لشخصه بل سخر كل ما يملك وخاصة وقته ووقت عائلته للمجلس فكان يقول: «المجلس القرآني هو كل شيء في حياتي».

2. الإيمان الشديد بأهمية العمل التطوعي القرآني:

فلقد كان يقول دائماً: ”ابحثوا عن أشخاص مؤمنين بالعمل التطوعي ليتمكنوا من إعطاء المجلس القرآني حقه“.

وكان عندما تواجهنا مشكلة أو حدث ما كان يستقبله بكل هدوء وطمأنينة ويتعامل معه بحنكة وذكاء ويقول: ”هكذا هي الحياة ليس دائما الطريق معبد فيها“ فإيمانه بالعمل التطوعي القرآني جعله يتحمل ويعمل ليل نهار بإخلاص، فكان يتابع ويوجه بلا كلل ولا ملل.

3. الرؤية الواضحة والتخطيط الممنهج.

كان عمله دائماً ضمن رؤية ورسالة المجلس القرآني، وأي مقترح جديد يتم طرحه كان يراجعه بقوله: «لابد لنا من الرجوع الى الرؤية» فكان يعمل بهذه الرؤية بدقة شديدة لا يحيد عنها، وبناء على هذه الرؤية يضع خطته ومن ثم يطرحها للنقاش والدراسة دون أن يستأثر برأيه. فكان مثالا للآية الشريفة ﴿وأمرهم شورى بينهم لقد كان منظما في عمله وفقا لرؤية واضحة نحو تحقيق الأهداف المرجوة.

إننا ومهما كتبنا فيه ومهما عددنا من صفات لن نفيه حقه. هنيئا له فلقد استأثر به الله لنفسه دوننا، فلقد أدى ما عليه وبقي ما علينا. وإننا إذ نسأل الله الأمن والأمان لبلادنا نطالب المسؤولين أن يضعوا حدا لهذا الانفلات الأمني الذي نعيشه وأن يقضوا على هذه التحزبات التي قضت على الأخضر واليابس في بلادنا الحبيبة ونطالبهم - كذلك - أن يكشفوا لنا عن ملابسات الحدث عدلا منهم وانصافا لنا، فنحن في بلدة مسلمة تنشد العدل وتطبقه، وكلنا نرفض الفوضى الحاصلة. ونحن على يقين بأن هذه المؤسسات المعنية قادرة على أن تكتشف الجاني وتنزل به أشد العقوبة.

امي الغالية ام الشهيد، عزيزتي زوجة السعيد، حبيبتي ابنة الشهيد، اخواتي الكريمات اخوات الشهيد وجميع اقاربه: كلنا هنا أخوات للشهيد، وباسمكم جميعا نعاهدك أيها الشهيد - وإن بكينا عليك - أننا سنكمل مسيرتك ونمضي على ما مضيت عليه مسالما محبا للقران ولوطنك، وسنكون زينبيات ببكائنا، وكما قال أحد العلماء الأفاضل في حق زينب:

قتلوا الحسين لكي يسكتوه فنطقت عن لسانه زينب وما استطاعوا اسكاتها.

5 / وأخيرا أقول أيها الشهيد السعيد: قضيت ما عليك، رسالتك أوصلتها بدمك الطاهر، وبقي ما علينا، هنيئا لنا نحن بك فلقد سبقتنا ومهدت لنا الطريق وستقف مستقبلا لنا وفخورا بنا لصبرنا واحتسابنا إياك عند رب العالمين.

إلا أنه يبقى سؤال لدينا هل سيوفقنا الله كما وفقك ويصطفينا كما اصطفاك ويستجيب دعاءنا كما استجاب دعاءك «وقتلا في سبيلك فوفق لنا» الشهادة توفيق من الله لا يُوفق لها إلا من اختاره الله إليها.

نعم، أنت اختارك الله بعناية فوفق لك ذلك، ونحن اختارنا لكي نكمل رسالتك كما اختار الله للحسين الشهادة ولزينب إكمال المسيرة فأكملت مسيرته بكل قوة وصبر وعزيمة.

اللهم ألهمنا وألهم ذويه صبر زينب وقوة زينب وعزيمة زينب بحق كل قطرة سقطت من الحسين يوم عاشوراء.

اللهم وهب لي الجد في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك حتى أسرح إليك في ميادين السابقين وأسرع إليك في المبادرين واشتاق إلى قربك في المشتاقين.

فهنيئا لشهيدنا السعيد هذا الشوق الإلهي والاصطفاء الرباني الذي آثره به الله وأدناه منه دنو المخلصين. والفاتحة لروحه الطيبة ولروح جميع شهدائنا الأبرار تسبقها الصلاة على محمد وآل محمد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو علي
[ القطيف ]: 8 / 7 / 2017م - 8:19 ص
يالها من عبارة ذات دلالة عظيمة:
((نعم، أنت اختارك الله بعناية فوفق لك ذلك، ونحن اختارنا لكي نكمل رسالتك كما اختار الله للحسين الشهادة ولزينب إكمال المسيرة فأكملت مسيرته بكل قوة وصبر وعزيمة)).


رحمك الله يا أبو أحمد . . نادتك السماء، فلبيت النداء . . خدمة كتاب الله نعمة إلهية دائمة . . تُعدُّ لها السماء ذوي الإيمان و العمل الصادق و أمهاتنا منجبات و مربيات و صانعات لشباب قرآني يرتقون بمجتمعهم علماً و فهماً و تدبراً و عملاً بالقرآن الكريم.
رئيسة المجلس القرآني المشترك بالقطيف والدمام