ذكرى رحيل السيد محمد حسين فضل الله
تصادف هذه الايام ذكرى رحيل علم من أعلام إصلاح التراث الديني ورمز من رموز الأمة الكبار وقائد عظيم من قادة الفكر ومُعلِم ومربي اخلاقي وفقيه من الطراز الأول ومجدد ومفسر قرآني مبدع ومجاهد وحركي ومناضل واعي..
فقد رحل عن هذا العالم الفاني في الرابع من يوليو عام 2010م سماحة العلامة والمرجع الديني الشهير ورائد الإصلاح والتجديد الديني السيد محمد حسين بن السيد عبد الرؤوف فضل الله.
تعرفت على سماحة السيد منذ بداياتي عندما كانت تصل بعض كتبه ومؤلفاته الى القطيف ومنها كتاب ”قضايانا على ضوء الاسلام“ وكتاب ”خطوات على طريق الاسلام“ وكتاب ”الحوار في القرآن“ وغيرها من كتبه التي ما زالت في مكتبة الوالد ”رحمه الله“ وبعد ذلك كانت تصل محاضراته التي كان يلقيها في موسم الحج حيث كان مرشداً دينياً لحملة التوحيد الكويتية.
ثم تطورت علاقتي بفكر الراحل فكنت اقرأ له في بعض المجلات والدوريات ومنها مجلة ”الهادي“ التي كانت تصدرها الحوزة العلمية في قم المقدسة، كان يشرف على الحوزة والمجلة آنذاك سماحة المرجع الديني السيد شريعتمداري ”رحمه الله“ وكان ذلك في أواخر السبعينيات.
كما كانت بعض الصحف والدوريات والقنوات التلفزيونية تهتم بنقل لقاءاته وآرائه السياسية والفكرية والفقهية والعقدية والتاريخية في مختلف القضايا والشؤون التي تهم الانسان المسلم والمثقف والمتابع للشأن العام.
لقد شغل السيد فضل مساحة واسعة من مساحات الفكر الاسلامي والإنساني، وأثرى المكتبة الاسلامية بالعديد من الدراسات والمؤلفات المبتكرة والجديدة وطرق ابواباً لم يسبقه إليها أحدٌ قبله، كما لم يجرء احد بعده على تبني أفكاره وان كان يؤمن بها او يتبناه!!
وجهرَ ”رحمه الله“ بصوت مرتفع بآراء وأفكار اختلف الناس حولها وتحمل ضريبة هذا الجهر نقمةً وعداء وتشهيرا ً، وتحمل اتباع فكره ونقلة آرائه هذه التبعات من بعده والى يوم الناس هذا!!
وسواء اتفقت مع أفكار السيد فضل الله ”رحمه الله“ او اختلفت معه، فان ذلك لا يقلل من شأنه في كونه احد اكثر الرموز الدينية والثقافية والفكرية تأثيراً في الساحة الاسلامية في العصر الحديث.
اننا بأمس الحاجة اليوم للعودة الى خطاب السيد فضل الله، الهادئ والرصين والعميق والمؤثر جداً... نحتاج ان نعود اليه نقرأًه بروية وتدبر وانصات بعيداً عن اي تزمت ومبالغة وغلو ومكابرة واستعلاء كما يوصي هو بذلك بعيداً عن صخب العناد وضوضاء الغلو!! متخذين من قول الله تعالى في كتابه الكريم منهجا لنا في تقييم الأشخاص والأفكار:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.
ان السيد ”رحمه الله“ لم يدعِ لنفسه العصمة، كما ان أحدا من اتباعه الواعين لم يدعِ له ذلك.. فهو مفكر يصيب ويخطئ، وافكاره وآراؤه قابلة للنقد والرد، كما يمكن ان تكون على اقل اعتبار ملهمة للابداع، حيث ان الفكرة اذا لم تختمر في حينها ولم تكتمل فانها يمكن ان تشكل منطلقاً يستفاد منه في تطوير الواقع وإثرائه، فهي أشبه بشعاع نور تولد من عقل وفكر وَقّاد يحمل داخله هموم الأمة ويتطلع الى إصلاح أوضاعها المتردية!!
وعقيدتي ان سماحته ”رحمه الله“ انفتح على الاسلام منذ وعى الحياة ودرج في حصن من حصون الاسلام المنيعة «النجف الاشرف» وتربى على ايدي كبار فقهاء الطائفة ونهل من نمير علوم العترة الطاهرة عليهم الاسلام، كما انفتح على"الافكار السائدة آنذاك المناهضة للإسلام والإنسانية وتحمل هو والثلة الواعية من طلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف آنذاك مسؤولية مقاومتها ودحضها ووقف تقدمها من خلال تعمقهم في فهمهما ومناقشها ومحاورتها بفكر وعقل منفتحين حيث كانوا يحملون الاسلام عقيدة وفكرا وهماً يعيشونه في ليلهم ونهارهم.
عندما تستمع الى نبرته الهادئة ذات المحتوى الديني والفكري والثقافي الضخم تدرك ان حمل الاسلام والقرآن كما يقول سماحته يحتاج الى قلب كبير وعقل منفتح بسعة السموات والارض، وهمة عالية.. عندها تدرك حقيقة قول الله تعالى ﴿انا سنلقي عليك قولاً ثقيلا﴾.
وانا أستمع الى بعض خطاباته قبل قليل وهو يحث على الحب والتسامح ونشر روح الأخوة بين المسلمين منطلقاً من قوله تعالى ﴿إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ ومن الكلمة المشهورة للامام علي ”“ زفي اخر وصية أوصى بها الأمة ”وعليكم بالتواصل والتبادل وإياكم والتقاطع والتدابر! تدرك عمق وصدق ودقة النص النبوي المنيّر في قوله“ ص": «لا تبكوا على الدين اذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير أهله».