سقطت «دولة الخلافة».. وماذا بعد؟
باستعادة الجيش العراقي وحلفائه لجامع النوري، الجامع الذي بويع فيه أبو بكر البغدادي خليفة لما سمي «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، في منتصف شهر يونيو/حزيران عام 2014، يمكن القول إن هزيمة التنظيم الذي أشغل الدنيا، في السنوات الأخيرة، باتت محققة.
لقد تمكن تنظيم داعش، من احتلال أربع محافظات عراقية، هي الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالي، كما سيطر على كثير من المحافظات في سوريا. وفي مرحلة من مراحل صعوده، باتت معظم المناطق الحدودية، بين العراق وسوريا، تحت هيمنته، بما جعل الكثير من المحللين السياسيين، والمراقبين يتنبّؤون بنهاية اتفاقية سايكس - بيكو.
على الجبهة السورية، هناك هزائم متلاحقة للتنظيم، حيث يتعاون الجيش السوري، وحلفاؤه، وقوات التحالف الدولي، في توجيه ضربات ماحقة لتنظيم داعش، ويتمكنون من دحر ميليشياته في جبهات كثيرة. ولم تعد لهذا التنظيم سيطرة تستحق الذكر، على المناطق الحدودية، بين سوريا والعراق. ووجوده في بعض المحافظات السورية الحدودية، هو وجود مؤقت ومحفوف بالمخاطر، بالنسبة له، حيث يتوقع في أي وقت اقتحام الجيش السوري، وحلفائه لتلك المحافظات، والقضاء المبرم على داعش. وبهذا تكون شأفة تنظيم «داعش» قد استؤصلت في البلدين معاً.
لا نعني بهذا القول، إن تنظيم داعش قد طويت صفحته ولم يعد له وجود، فذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولكن وجود مناطق «محررة» للتنظيم بالبلدين بات من الماضي، وكل ما هناك هي بؤر محدودة جداً في صحراء محافظة الأنبار، لن يطول وجود داعش فيها.
وقد ناقشنا في حديث سابق، استراتيجية تنظيم داعش، فيما بعد تصفية دولته، ولن نعود لذلك مرة أخرى. فما نهدف له هنا، هو تداعيات هزيمة داعش على الأوضاع السياسية في البلدين الشقيقين، العراق وسوريا، والتحالفات الإقليمية القائمة.
وقبل الدخول في مناقشة هذه التداعيات، أخذا مكانهما في الأيام القليلة التي مضت، ولهما علاقة مباشرة، بمناقشتنا هذه. الأولى هو قيام تظاهرة في برلين، تؤيد الانفصال التام للأكراد عن العراق. والثاني، هو توقيع مجموعات من أطراف المعارضة السورية، على وثيقة اسطنبول، التي تضمنت الاعتراف بالحقوق الثقافية، للأقليات القومية، بغض النظر عن حجم تواجدها على الأراضي السورية. ومن وجهة نظر هذه المجموعات، فإن أي انتقال سياسي في سوريا، ينبغي أن يؤكد على هذه الحقوق.
فيما يتعلق بالقضية الأولى، هناك نية من السلطات الكردية، بحسب تصريحات مسعود البرزاني، لتنظيم استفتاء في شمال العراق، حول موضوع إعلان دولة كردستان، المستقلة عن المركز. وإذا ما تحقق ذلك، فإن كل الاحتمالات تشير إلى أن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح الانفصال. وهذا يعني أنها ستكون مقدمة لأحداث أخرى فاجعة في العراق والمنطقة بأسرها. فهذا الحدث، سيأخذ مكانه في ظل عجز الحكومة المركزية عن فعل أي شيء، خاصة وأن هذا القرار سيكون مدعوماً بإرادة غربية، وبدعم من الولايات المتحدة.
وبالتأكيد لن يكون هذا التحول، نهاية للصراع بين العراقيين والأكراد. فهناك مشاكل رئيسية عدة، تتعلق بحدود الدولة المرتقب إعلان ولادتها. فالأكراد يصرون على تبعية مدينة كركوك النفطية، للإقليم الكردي، رغم كثافة الوجود العربي العراقي، في هذه المدينة. كما يتمسكون بتبعية مدينة الموصل العربية، للمنطقة الكردية. وربما يستخدمون ذلك كورقة ضغط على الحكومة العراقية، للتنازل لهم عن مدينة كركوك، مقابل بقاء الموصل، ضمن الدولة العراقية.
في سوريا، عملت الولايات المتحدة على إعطاء ثقل للمجموعات الكردية، ومكنتهم من السيطرة على عدد من المحافظات السورية، بما يفوق بكثير قدرتهم على استيعابها. لكن ذلك تم نكاية بالدولة السورية، وبالحليف التركي، الذي باتت علاقة أمريكا سيئة به، منذ انقلاب فتح الله جولن، ضد حكومة طيب أردوغان.
والغريب في هذا السياق، هو معارضة الأكراد، لوجود كيانات كردية مستقلة في العراق وسوريا، من جهة، وتوقيع بيان إسطنبول المطالب بحقوق ثقافية للأقليات القومية في سوريا، بغض النظر عن مستوى كثافة حضورها. إن ذلك يجعلنا نميل إلى أن هذا البيان ليست له أية قيمة، وأنها ضمن الأوراق التي تحتفظ بها تركيا، في التسويات الجديدة المرتقبة، بينها وبين إيران، منافستها الإقليمية، وأيضاً الاتحاد الروسي، والصين من خلفها.
في هذا السياق، يتوقع كثير من المحللين السياسيين، أن تشهد العلاقة بين تركيا وإيران، تقارباً كبيراً، يصل حد التحالف، وصياغة استراتيجية مشتركة للتعامل مع التحديات الإقليمية والدولية التي يواجهها البلدان. وسيكون الاتحاد الروسي، شريكاً في هذا التحالف. ويتوقع أن يكون لذلك تأثيراته الإيجابية المباشرة، على علاقة الأتراك بالحكومة السورية. حيث لا يستبعد أن ينسق البلدان جهودهما للقضاء على التمرد الكردي، في جنوب تركيا، والحيلولة دون قيام إقليم كردي على الأراضي السورية.
وبالقدر الذي تتجه فيه تركيا بتحالفاتها الجديدة، شرقاً وجنوباً، بالقدر الذي تبتعد فيه، عن التحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد حلف الناتو. وسيكون ذلك عامل تحريض لدول أخرى، تشعر بالغبن جراء السياسة الأمريكية، للالتحاق بهذا الحلف.
في العراق، تبدو المشاكل أكبر بكثير مما هي في سوريا. فهناك حشد شعبي، لا يعرف كيف سينتهي أمره. هل سيتم دمجه بالجيش العراقي، أم سيبقى قوة شبيهة بالحرس الثوري الإيراني؟ وما هي حدود طموح قياداته، بعد قتالها جنباً إلى جنب، مع الجيش العراقي لاستعادة المحافظات الأربع، التي سيطر عليها داعش؟ وما هو مصير الإقليم السنّي الذي جرى الحديث عنه في السابق.
أسئلة كثيرة ذات علاقة، تتعلق بمستقبل الأوضاع السياسية في العراق وسوريا، ومستقبل التحالفات الإقليمية، ستكون مواضيع للمناقشة في أحاديث أخرى قادمة بإذن الله.