فلسفة العطاء
من أجمل أقوال العطاء واحدة عن جورج برنارد شو وهو الكاتب المسرحي والناقد الموسيقي والأدبي الساخر، يقول ”المتعة الحقيقية في الحياة تتأتّى بأن تصهر قوتك الذاتية في خدمة الآخرين، بدلًا من أن تتحول إلى كيان أناني تجأر بالشكوى من أن العالم لا يكرس نفسه لإسعادك“. أما سيد البلغاء الامام علي يقول ”استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره“. ومن فلسفة العطاء هو أن تعطي من القلب دون أن يكون هناك ما تتوقعه في المقابل.
العطاء يأخذ أشكالًا عديدة، إلا أن هناك شكل خاص جدًا يتمثل في الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة والتفاعل البناء في المشورة والنصح، بعيدًا عن سُلطة المال وما يحتاج إليه الناس من أشياء. العطاء لا يقتصر على تبادل الهدايا في المناسبات، فدائمًا هناك شيء ذو قيمة يحتاجه الآخر، كالوقوف معه وقت المحن والتي عادة ما تكون الرغبة في المساعدة معنوية أكثر منها مادية. لحسن الحظ، الكرم واللطف، غير مقيدين بالماديات وحدها. العطاء فعل رائع يفتقده البخلاء من الناس، وهو محدود بالوفرة، إلا في مسألة الطيبة فلا حدود أو قيود تمنع أحدًا أن يكون عطائه كبيرًا إلا من شُح في النفس.
النية وراء العطاء أهم من العطاء نفسه. فإن كانت نيتنا لأي عطاء نفعله هو خلق جو من السعادة لنا كمعطين وللآخرين كمتلقين، فهذا هدف نبيل لا ينكره أحد. أما إذا كانت هناك أهداف أخرى كتوقع عائد مقابل، يفوق في قيمته ما قمنا به من عمل، فالأحرى أن يتوقف ذلك العطاء لأنه مرتبط بالأنانية التي ليست لها مكانة في هذا الموقع بالتحديد. أخي في الإنسانية، عندما تعطي دون أن يخالج عطاؤك رغبة في شيء مقابل، فأنت من دون شك في مقام من ينتظر عوائد جمة وبلا حدود لكن هذه المرة ممن ابتدع الكرم في الوجود فنعم الكريم جلاله.
العمل بفلسفة العطاء أمر سهل وبسيط ولا يحتاج إلى قدر كبير من المهارة أو المعرفة. إذا كنت تبحث عن السعادة فما عليك إلا أن تبذل الكثير من وقتك وطاقتك في خدمة الآخرين وإسعادهم. وكذا هو المعيار عندما تبحث عن حب الآخرين لك، فأنت لست بحاجة لأن تشارك الناس أموالك وممتلكاتك لتحوز على حبهم. كل ما عليك هو أن تتعلم كيف تحبهم، لتكتشف أن الكثير ممن تحننت عليهم بعطفك وحنانك بدأوا يتقربون منك ويبادلونك نفس المشاعر.
لا تتوقع أن تحصل على شيء دون مقابل، فالحياة تركيبة متوازنة من العطاء والأخذ. اتخذ قرارًا استراتيجيًّا في حياتك، بأن يكون عطاؤك علامة فارقة تميزك عن غيرك من الناس، أنى ذهبت أو أي أحد قابلت. تعلم كيف تُحول كل شيء صادر منك إلى عطاء يُدخل السرور على من تجتمع بهم وذلك من خلال كلمات رقيقة ونفس طيبة وابتسامات تشعرهم بأنك قريب ومقبول وخفيف الظل. هذه هي الكيمياء المطلوب توفرها لتتلاقى الأنفس وتذوب في كيان واحد بعيدًا عن التشظي والإنعزال.
مهما قست الحياة وكشرت عن أنيابها، مهما عبس البعض في وجهك، فلا تجعلهم يسرقون نعمة العطاء منك. ابذل ما بوسعك لتهدي فرح العطاء لجميع من تلتقي بهم وأن تحتسب ذلك عند الله. واعلم أنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا. أنت بعطائك هذا سوف تتنزل عليك الهدايا الربانية من حيث لا تحتسب وستنفرج عنك الكثير من محن الدنيا وتتفتح لك أبواب الخير والرزق إبتداءً من حسن نيتك وانتهاءً بعطائك الذي تتقرب فيه لخالقك أولا، وتبعث السرور وتنشر المحبة في كل مكان وزمان من منطلق إيماني واثق. العطاء قبل أن يكون فلسفة حياتية، هو صفة من صفات الخالق، سعيدٌ من اتصف بها، أين نحن منها..؟