كاتب: المجتمعات بحاجة للنقد والمثقف مسؤول بالدرجة الأولى
بين الكاتب والناقد محمد الحميدي أنه ينبغي الإقرار بحاجة المجتمعات إلى النقد الذاتي أولاً، كطريق للتطوير وبلوغ الغاية المنشودة، منوهًا إلى أن مسألة امتلاك النقد وتوجيهه والمسؤولية عنه، فهي تعود إلى المثقف بالدرجة الأولى بكونه الأقدر على رؤية العيوب ووضع الحلول لها، مع الأخذ بعين الاعتبار التخصصية التي ينتمي إليها.
وأكد على أهمية أن يكون ناقد المجتمع عالمًا به، كما ينبغي في ناقد العلم أن يكون ملمًا به وعارفًا بطرقه وأساليبه، والشيء نفسه ينسحب على العلوم الإنسانية وما يتفرع عنها، كالشعر والقصة والتاريخ وعلم النفس والاجتماع والبقية الباقية في هذا المجال.
ولفت إلى أن مسؤولية النقد تقع على عاتق القادر عليه، والمتمكن من علمه الممتلك لأدوات النقد ومناهجه مع تجرده العاطفي من أي ميلان إلى اتجاه أو شخص.
وأشار إلى أن النقد كائن ثقافي، والبيئة الثقافية تنتشر فيها المنتجات المختلفة، كالشعر والقصة والمسرح والتصوير والنقد، لهذا فإن الحديث نتحدث عن النقد، يأتي من خلال وصفه مشاركًا في الصفات الأساسية لبقية المجموعة، التي ينتمي إليها والمنتجات المختلفة، وتنتمي إلى فئة الإبداع والموهبة مع الممارسة والتمرين وإتقان القواعد والقوانين الناظمة لكل فن.
وقال: ”بهذا الفهم للنقد وارتباطه بالفنون، نصل إلى نتيجة قد تبدو غير معهودة للكثيرين وهي: إن النقد كائن ثقافي جميل مثله مثل الشعر والقصة وغيرها“.
وأضاف: ”طالما هنالك أخطاء سيكون النقد حاضرًا ولو نظرنا إلى العلم أو الفن أو الحياة الاجتماعية أو الثقافية، لوجدنا أنها عبارة عن تراكم مستمر للأخطاء إلى أن تأتي لحظة الكشف أو لحظة الحقيقة حيث نعيد ترتيب الأمور ونضعها في مكانها الصحيح وبعد تصحيح الأخطاء“.
ونوّه إلى بأن الأخطاء المستمرة دليل على استمرارية التنفس، مؤكدا أن النقد يحتاج إلى مجتمع يمتلك من الوعي كفاية ما يجعله متقبلاً لفكرة الاختلاف، وقال: ”ناقش، واطرح رأيك بكل حرية، فإن الحياة ليست سوى مجموعة من الأخطاء التي تحتاج إلى إصلاح“.
وأوضح أن هدف النقد ليس البحث عن العيوب والتشهير بها وإن كان يأتي عرضا للمهمة الأساسية، التي هي باختصار: التنمية المستمرة والتطوير الدائم، وقال: حينما تعمل على نقد فكرة، فأنت تضيف لها وترغب بكونها أفضل والمثل، ينسحب على الكتابات والظواهر المختلفة الكثيرون يظنون في النقد ظن السوء ويعتبرونه شرًا لا بد منه".
وذكر أن الناس لا ترى من الأشياء سوى عيوبها، مشيرًا إلى أن من الأخطاء الكارثية الهدامة في المجتمع هو ما نفعله لا شعوريًا حينما نصادف شيئًا جميلاً به عيب ما وهذا العيب لا يؤثر على قيمته، ”نبدأ وقتها بسن السكاكين والاستعداد لقطع اللحم وبتره عن الجسد، ليصبح الشيء الجميل لا قيمة له بعد إغداقنا عليه السخرية والاستهزاء“.
ولفت إلى أن المبدع يحتاج رعاية واهتمامًا أكثر من بيان العيوب في البدايات، وهذا لا يعني عدم وجود العيوب بل يعني تأجيل الحديث عنها، حتى تتم تهيئته لاستقبال السلبيات مع البعد التام عن السخرية والاستهزاء.
وأفاد أن للكاتب أكثر من تقييم، يبتدئ من قراءة كتاباته والحكم عليها بصورة أولية ثم التعمق فيها لاكتشاف الأفكار الجديدة، التي يقدمها ومدى ملاءمتها للزمن الذي نعيشه، وثالثًا التأكد من خطأ الأسس التي اعتمد عليها في بناء استنتاجاته.
وأوضح أن الجدل لا يقود إلى نتيجة ”ابتعد عن الذي يحادثك لأجل شغل فراغه كي تملأ فراغك بما تحب“، منوهًا إلى أن من ثوابت النقد رفع القداسة عن النص وإخضاعه للمساءلة، مؤكدًا أن الأخطاء التي يتم التركيز عليها عند كاتب ما تعني أن هناك من يتابعه ويهتم بما يكتب.
وأفاد أن المسائل الثقافية معقدة جدا والكثير منها يحتاج إلى زمن طويل ليثبت في الأذهان، ويحتاج إلى صبر في الممارسة العلاجية وإدراك المتلقي لما يعانيه من وقبوله للعلاج، بالتالي الأمور الثلاثة لا تتوافر في البيئة الثقافية، كقيم بل هي أفكار يحملها البعض لم تتبلور في صورة ثقافة يحملها الأفراد.
وقال: ”أن الكتابة شهوتنا نخرجها على الورقة، اكتبوا لتفريغ شهواتكم المتراكمة، فالفكرة نطفة والنص جنين يتخلق والأب ذلك الحدث السعيد“، مضيفا: ”وراء كل نص عظيم معاناة“.
وشبه ألم الكتابة بألم الولادة ومراحلها متعددة، فالكتابة ألم إنجاز صفحة في كتاب أو رواية أو كتابة أبيات من قصيدة يساوي مرحلة من مراحل الولادة، وكما تنتهي عملية الولادة بالإنجاب، كذلك الكتابة تنتهي بإنجاب قصيدة أو قصة أو مقالة أو كتاب، الأمران متشابهان، مبينًا إن التشبيه لا يعني التماثل.
وأضاف: إن المجاز في الكتابة لا يعني البعد عن الواقع بل يعني تمثيل المشاعر على الورقة، حيث أن المشاعر ذاتها لا يمكن تصويرها كحقيقة ظاهرة، معللا بعجز اللغة عن نقلها كما هي، مشيرًا إلى أن المجاز، لغة الآداب والإنسانية، والحقيقة لغة العلوم والثوابت، والمجاز نسبي تقريبي والحقيقة تحديد وإطار.
ونوه إلى أن الكتابات العلمية مختلفة عن الأدبية، فالحقيقة بالنسبة لها شريان حياة بينما الكتابة الأدبية الحقيقة بالنسبة لها شريات موت، جازما بأن الكتابة عالم من المجاز تختبئ فيه الأشكال والألوان والأنواع.
وتوقع أن صناعة قارئ مستقبلي ستتيح إيجاد كاتب كوني، يمتزج بالوجود ويقدم الدهشة طازجة في محراب الكلمات، مؤكدًا أن الجيل الصاعد يحتاج إلى حث مستمر والبيئة المغلقة لا تساعد على الإبداع، حاثاً ”افتحوا أذهانكم وتأملوا الحياة حينها فقط ستصلون إلى المصب، ما الحياة سوى رحلة لا تنتهي سوى بالوصول إلى المنبع، هناك المصب النهائي حيث يتكدس الإبداع وتنتثر الدهشة، لتفيقوا من الأفكار الجاهزة والمعلبة واستكشفوا ما حولكم بأدواتكم لا بأدوات الآخرين، فلكل منا مصب نهائي مختلف“.
ونوه إلى أن بعض الأقلام الواعدة تحتنق بصمت وهي ترى التجاهل التام لمواهبها، وقال: " ستظل الأماكن العالية محجوزة لعدد من الوجوه، هي ذاتها التي تتكرر في المشهد، وهذا يمكن اعتباره قتلا ثقافيًا.