خذوا الحكمة من أفواه المجانين
تلك هي العبارة التي اعتدنا أن نسمعها منذ عشرات السنين والتي تعود إلى قصة الاخوة اللذين إختلفوا بكيفية توزيع الارث فيما بينهم حتى لجأوا لأحد المجانين والذي قام على الفور بحل القضية.
والآن دعونا نستبدل كلمة ”المجانين“ ب ”المدمنين“، أما وجه الشبه فيما بينهم هو أن الادمان في النهاية يقود إلى الجنون أو ما نسميه في لغة علم النفس بالاضطراب النفسي. والآن إليكم بالحكمة التي يجب أن تصنف على أنها حكمة لأحد المدمنين المتعافين، وهو واحد من مئات المرضى اللذين قابلتهم حيث يقول..
”كنت مرهقا من ناحية الجانب النفسي والجانب الجسدي على السواء، وكلما إقتراب موعد الاختبارات كنت أشعر بالانهيار وفقدان الثقة بالنفس، وكلما نظرت إلى نفسي بالمرآة أشعر بحجم المعاناة. وما إن بقي على موعد الاختبارات يومان حتى ظهر عفريت من تحت الارض يمسك بيده حبوب الكبتاجون والتى كنا نطلق عليها ب“ أبو ملف "، وبدأ بالتسويق لها حتى شعرت بأني سوف أتحول للوحش الاخضر وسوف أبصم الكتب من الغلاف حتى الغلاف. وقبلت بالعرض ورحت للمنزل أنتظر متى تتفاعل تلك الحبة في دمي وتغذي خلايا مخي. وبالفعل تحولت للوحش الاخضر والسوبر مان أيضا، إلا أن مخي توقف عن العمل فجأة كما لو أنه ماكينة سيارة قد حان أجلها لها صوت مزعج ودخان أسود وترتعش من كل جانب. ومع تكرار تعاطي المادة بدأت أرى الاثنان أربعة وصرت أسمع أصوات تعزف في الليل وتغنى في الصباح. واستمر الأمر على تلك الحالة لفترة ليست بالقصيرة حتى إني كرهت الاكل وانقطعت عن السباحة والصلاة. ومرت السنون وانا أتخبط بين السجون المركزية ومراكز التأهيل حتى بات كل العساكر والمعالجين هناك على معرفة فيني...
واليوم بعد أن ضاع العمر صحوت من غفوتي، أحاول أن أعوض القليل من الفرص الضائعة.
والآن حان لنا أن نقف على تلك التجربة ونأخد ذلك بكلام المدمن المتعافي والذي وقع في الادمان نتيجة الجهل بالشيء. ولعلها فرصة لأن ناخذ بأيدي أبناءنا الطلاب من الحذر في خوض تلك التجربة، خصوصا في هذه الايام والتي تصادف فترة الاختبارات. ولعل هناك من لا يعرف بأن نسبة كبيرة من الجرائم في السعودية كالسرقة والقتل والاغتصاب قد وقعت تحت تأثير ”الكبتاجون“. وقد أظهرت الفحوصات المختبرية بأن تلك المادة تحتوي على مواد سمية قاتلة والأمر أبعد من ذلك، فقد كشفت إحدى المخترات عن إحتوائها على بقايا كائنات ميتة كعظام الانسان ومخ الكلب.
أما بالنسبة لتحول المدمن في تجربته للوحش الاخضر فهي حالة تسمى ظاهرة ”باندنج“ Punding أي أن يقوم المدمن بعمل الشي بشكل مستمر ومتكرر دون وعي منه. وقد يتساءل أحدنا كيف لنا أن نحمي أبناءنا من هذا الداء؟... والاجابة هي الوقاية طبعا. وتختلف شكل الوقاية فهناك أسلوب القصة ومشاهدة الافلام الوثائقية وورش العمل أو الاستشارة المباشرة من المختصين. ونحن في أرجاء الوطن لدينا مراكز توفر كل تلك الخدمات. أما بالنسبة لهذه الايام فمن الافضل أن يتم توجيه المراهق أو الطالب من خلال تعزيز ثقته بنفسه أولا، وحثه على عدم اللجوء إلى تجربة أي محفز غير طبي كالمخدرات أو مشروبات الطاقة مع السرد السريع لقصص المدمنين.
”خذوا الحكمة من أفواه المدمنين“... أعتقد بأني أول شخص سيقوم بتدوين تجارب المدمنين وتصنفيها على أنها حكم، لأرويها لأبنائي وأبناء أخوتي وكل من هم حولي حتى لا يقعوا ضحية ويضيع بهم العمر سدى.