الثنائية الهرمة «1 - 2»
«أليس في مفهوم الاقلية والاكثرية في البلدان العربية احتقار عميق للكائن الانساني من حيث انه يحول الانسان الفرد الى مجرد رقم والجماعة الى مجرد قطيع والسلطة الى مجرد تجارة؟ أليس في هذا المفهوم ما يبيد الكيف ويعلي شأن الكم «....» أليس فيه غياب للمواطنة وتبعا لذلك للوطن؟».
عندما تتحاور مع هذا النص تحاورا حياديا من يكون المنتصر؟.. هل هو هذا النص أم ما يملأ ذهنك من ضرورة التفرقة بين الاقلية والاكثرية؟
اولى خطوات الحوار هي السؤال عن الاساس الذي تقوم عليه الثنائية «الاكثرية والاقلية» ما هو؟ وعند الاجابة لا بد من العودة الى التاريخ وسنة التطور حتى يتضح لنا لا اساس واحد، بل أسس كثيرة يتناسل بعضها من بعض.
اول تلك الاسس هو الاساس القبلي، فمنذ الطفولة البشرية كانت القبلية سلاحا وسورا دفاعيا، لأنه قائم على مفهوم القوة فالاكثرية أشد قوة من الأقلية، فأصبح التغني بها يملأ الحناجر والأسماع:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وظهر البحر نملؤه سفينا.
2 - خرافة العراقة:
من يتصفح كتاب «قصة الحضارة» يرى ان معظم الشعوب كانت تعتبر نفسها الممثلة للبشرية في حالة اكتمالها اما الآخرون فإنهم «برابرة».
3 - أساس العقيدة:
حلت العقيدة الدينية او المذهبية محل القبلية عند بعض الشعوب، وقد يجتمعان معا عند الشعوب الأخرى.. وقد شهد التاريخ مجازر بشرية تعجز الضواري عن القيام بمثلها قديما وحديثا ولا نزال نراها لا مع الآخر بل مع الشقيق في العقيدة نفسها.
4 - أساس الفكر:
اذا كانت القبلية شعورا بالقوة والامان وكانت خرافة العراقة تحليقا رومانسيا نرجسيا وكانت العقيدة الدينية او المذهبية ادعاء لامتلاك الحقيقة، أي اذا كان لكل أساسه الواضح.. فان الاختلافات الفكرية التي تبلغ الى حد التصفية الجسدية او الروحية تقوم على أسس ضبابية أوضحها قصور الوعي حتى عن ادراك ما يطرد عنه الظلام.
ان حرية الفكر هي المحاصرة منذ بزوغ الفكر الفلسفي حتى الآن، وقد أحرق بعض من وضعوا المصابيح على الطريق، وهم أحياء، او أحرقت كتبهم في الساحات.. اما الآن فيكفي ان نسمع السياب يصرخ «سيزيف ان الصخرة الآخرون» اما نحن فلسان حالنا يعيد ما قاله الحميدي الثقفي:
«صبي الغيم يا سلمى لناس غلابه
من عطشهم على الما يحلبون السراب».