آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

اختيارنا لتأليف الرواية

فاطمة الناصر

أصبح شاغل المؤلف العربي المعاصر وتوجهه نحو تأليف الرواية التي راج سوقها في المكتبة العربية بشكل جارف وانجذب إليها القارئ العربي ويمكن إدراجها ضمن «موضة الكتب» حيث يبتكر المؤلف العربي ما يتوافق مع ما يطلبه القارئ ويستعين بالعناوين الباهرة والأغلفة المثيرة وفي سياق ذلك تكونت لجان تقيميه لتلك الروايات وجائزة لأفضلها.

وإن أدرنا النظر إلى منبت فن الرواية، ولما أولي الاهتمام بها، سنجد ذلك خلال ما كتبه كونديرا في السطور، حيث يشير إلى أن الرواية فن أوروبي، يستعرض من خلالها السيكولوجية الاجتماعية للأفراد، وخَلَّق الدهشة والبعد الموسيقي المتخيل وحرية الفكرة في نفس القارئ من خلال السرد والحبكة والعقدة. فيقول: ”اعتياد المجتمع الغربي أن يقدم نفسه كمجتمع لحقوق الإنسان نيل حقوقه، اضطر أن يتكوَّن كفرد، وأن يَعْتبِر نفسه فلانا وأن يُعْتبَر فلانا، وما كان لهذا أن يحدث دون ممارسة مديدة للفنون الأوروبية وخاصة فن الرواية الذي يُعلم القارئ أن يندهش من الآخر وأن يسعى إلى فهم حقائق تختلف عن حقائقه. بهذا المعنى أصاب سيوران بتسمية المجتمع الأوروبي بمجتمع الرواية وبكلامه عن الأوروبيين على أنهم أبناء الرواية“.

وقد ساهم بعض مؤلفين الرواية الأوروبية في إدارة دفتها نحو دوامة اللامتوقع، وأضافوا الفلسفة الوجودية ودمجوا البحوث التاريخية الثيوقراطية والبعض اختلق الميتا فيزقيا بأسلوب خرافي أو هزلي، حتى يتسنى للقارئ أن يدخل في لعبة فانتازية ساحرة، ويحلل الأحداث المتناقضة الطليقة أو يوحد بينها.

هذا الانسياق الذي تتولد فيه الشخصيات وحواراتها وشكل ديكوراتها والأحداث المتعلقة بها وبمن حولها بوصف فينومينولجي، ينعش رغبة الاستمرارية في القراءة والفهم والإدراك. ومن المثير للجدل أن بعض مؤلفي الرواية الأوروبية يدرج في سياق روايته مقالات تعالج وتشرح مختلف الرؤى التي يفكر فيها، فيقول كونديرا ”أن تورغنيف كان يلوم تولستوي على الفقرات المكتوبة بشكل مقالات التي تعالج فلسفة التاريخ في رواية الحرب والسلام. بدأ تولستوي يشك في نفسه، وتحت ضغط النصائح حذف هذه الفقرات في الطبعة الثالثة للرواية. ولحسن الحظ أعاد ضمها فيما بعد“.

من خلال تأملنا لفن الرواية الأوروبية نجد الفرق الشاسع بينها وبين الرواية الخليجية التي تفتقر إلى الكثير من معالم الثقافية، كما أنها لا تتسم بالفكرة المبتكرة، إنما تندرج وفق قضايا اجتماعية عادية ليس لها علاج فعلي، ويسقط قناعيَّ الدهشة والانبهار، لأنه الحبكة والعقدة مباشرة، ولم تُتَقن المهارة التي تؤول إلى تحويل عمل المخيلة نحو الإيحاءات والملاحظات والتي يمكن للروائي قبل نشر الكتاب يبتكر الرموز التي تنشط بحث القارئ واكتشافه، ما خدش قيمة الرواية الخليجية، ابتعاد المؤلف العربي عن القراءة العميقة والمتنوعة في شتى المواضيع، فعملية الشحذ الفكري لإنتاج روائي باهر يبدأ بذلك.

لم يقنن الأوروبيون أعمالهم الثقافية على فن الرواية، كما يفعل العرب إنما هم في توسع بحثي ومعرفي وعلمي دائم، وغالبا يتوارد لدينا تساؤل لما نختار الرواية للتأليف؟ لما لا يشرع المؤلفين الخليجيون بأعمال لها وزن وثقل وتوجه مختلف عن الرواية! هل المكتبة العربية ستقتصر على الرواية وتنمى على امتداد الأعوام القادمة؟