آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

رحيل #شمس_علي

رجاء البوعلي *

هكذا تنطفئ الشموس من صدر السماء، يتلاشى منها الوهج والعطاء، ينهار الإنسان المُتمرد على الأشياء، يتحول فجأة لقطعة لينة من العجين الناعم أو الماء المنساب، فما أقسى من أن تُسابق الزمن فيسبقك وتحلم بالإنجاز فينجز بك الموت حلمه. بعض الأحداث تعبر عبورا صامتا وبعضها يعيث فيك بصمته، بهذه الصورة تلقيت نبأ وفاة الأخت الإعلامية والقاصة شمس علي الحمد هذا الصباح.

قوي هو الإنسان بصحته، ضعيف بمرضه، ف لله القوة وله البقاء والكمال، هكذا عرفت الراحلة شمس علي، في أول حديث لنا حدثتني عن ضمور مجتمعنا تجاه دور المرأة، واحتضان المجتمعات الأخرى لها، وكانت تتحدث بصوتها الرقيق وعنفوانها الأبيّ عن طبيعة المثقف وطقسه، وكنت أختلف معها حول الطقس! نعم اتفقنا في المبدأ واختلفنا في طريقة التعبير عن الطقس الثقافي.

تركتها قوية وعدت أودعها ممددة على الفراش في الزيارة الأخيرة، وأعرف أنها زيارة الوداع، الذي لم أفرط في القيام بواجبه لكي لا نلوم الموت بأنه باغتنا، كنت أشكره لأنه أنذرنا لنقوم بواجب الوداع قبل لحظة الفقد.

هكذا تجد نفسك ماثلاً أمام جسدٍ ما عاد قادراً على الوقوف، بعد أن كان مُحلقا بجناحين، نظن أننا أقوياء وماهرين في احتواء المواقف الصعبة فُتفاجئنا ذواتنا بضعفها وعجزها عن مُجاراة الحدث؛ عندما نظرت إليها مُستلقيةً، كأن كيانا بداخلي تجمد عن الفعل المناسب والتعبير اللائق، لأبتسم ابتسامة صفراء أدعو لها بالشفاء، واتفاجأ بإيمانها وحلمها في الشفاء والعودة لإكمال ما بدأته من كتابة.. هكذا يموت الكُتاب المُخلصون للقلم وهم يُمنوا أنفسهم بعودة الصحة ليتمكنوا من مزاولة بعث الرسائل عبر أوراقهم!

وواصلت تصنعي الأصفر بالحديث والتبسم مع الزائرات كي لا أجرح صبرها بدمعة قد تتسلل خلسة هاربة من معتقلها الباطني، وانتهت الزيارة لأودعها بكلماتٍ طيبة خالية من يقين الرجوع مرة أخرى.

هكذا تخوننا ذواتنا في اللحظات العسيرة فتُعيقنا من التعبير عن مكنوناتنا الحقيقية، فلو لا ادعائي ومجاملتي الصفراء، لقلت لها:

إنكِ محبوبة من الله، فقد أنذركِ بقرب الرحيل وساعدكِ للتأهب لـ اللقاء.

إنكِ محبوبة من الله، فلم يشاء أن يُنزل الفاجعة دون تنبيه مُسبق.

إنكِ محبوبة من الله، لأنه هيأ لكِ الظروف لتودعي الأحبة ويبادلوكِ الوداع، فضلآ عن مباغتات الموت الفجائي!

خرجتُ من بيتها وقلبي ممتلئ بالرحيل، وحافظت على ابتسامتي فلم يكن مناسبا الانفجار بالتعبير حينها، أما الآن وقد غابت الشمس مرتين هذا اليوم، أتيت لأنفجر على هذه الورقة وأعبر عن ألمي على الراحلين.

لتنامي آمنة على سرير يتسع للبشرية جمعاء

لتنامي في استقامات واحدة للرجال كما النساء

لتنامي في الخلود العادل بحكمه والقضاء

سارياً من موازين الخلق إلى رب السماء

وفدتِ على ربِ رحيم كريم، يا حي يا قيوم،

يا عدلٌ يا سلام، يا غفور يا حنّان.

إنا لله وإنا إليه راجعون