امرأة اقتصادية
هل المرأة من صنف الإنسان؟ كان هذا السؤال موضوع مؤتمر عقد في فرنسا في القرن السادس الميلادي، حيث تعرضت المرأة آنذاك إلى أبشع أشكال التمييز والتهميش.. تأخرت المرأة الفرنسية في نيل بعض حقوقها الأساسية حتى عام 1938، أما اليوم فالمرأة هناك تتولى قيادة مؤسسات كبرى في الدولة، ومن الأمثلة «كريستين لاغارد» مديرة صندوق النقد الدولي، أول امرأة تتقلد هذا المنصب، وأول امرأة تتولى وزارة الشؤون الاقتصادية في مجموعة الثمانية. ومع الوجع الذي اصطبغت به التجربة النسائية في الغرب والشرق، إلا أن المرأة اليوم تحقق نجاحًا باهرًا على أكثر من صعيد ومن ذلك الإدارة الاقتصادية، ورغم الفارق الكبير في إنجازات المرأة بين دول العالم المتقدم ودول العالم الثالث إلا أن المرأة الخليجية لها نصيب من النجاح. يمكن قياس حضور المرأة في الإدارة الاقتصادية من خلال معايير مختلفة، مثل المناصب القيادية في الوزارات ذات الطابع الاقتصادي، أو المشاركة في مجالس إدارات الشركات. وقد سعت دول المجلس خلال العقود الماضية إلى تمكين المرأة من المشاركة في الحياة الاقتصادية، غير أن الإنجازات لم تكن بالمقدار المطلوب، إذ ما زالت بعض التحديات تواجه المرأة في الوصول إلى التمثيل المناسب في المواقع القيادية.
هنا لا توجد سوى إحصاءات قليلة حول مشاركتها في التنمية الاقتصادية، وعلى سبيل المثال لا تتجاوز مشاركة المرأة في مجالس إدارات الشركات في دولة الإمارات 1,5%. قبل كل شيء.. لماذا هذا التقسيم النوعي بين المرأة والرجل؟ ولماذا يتم تقديم المرأة في عالم الاقتصاد باعتبارها مختلفة، فتتشكل أطر مؤسسية خاصة بها مثل جمعيات سيدات الأعمال؟ إن كان ثمة تقسيم لقطاع الأعمال فينبغي أن يكون على أساس اقتصادي، وإذا ما كانت هناك حاجة لقطاع أعمال نسائيًا فيجب أن يكون من الزاوية الاقتصادية لا النوعية، وهذه ليست دعوة لهدم أي خصوصية، فالمجتمع الخليجي يبقى محافظًا من الناحية الاجتماعية، وإنما هي دعوة لإزالة بعض العوائق الوهمية. يتمسك البعض بأن المرأة لها خصوصيتها البيولوجية والسيكولوجية، مما يحد من قدرتها على أداء المسؤوليات التي تسهل على الرجل، بينما يجيب البعض بأن الرجل - هو الآخر - يمر بظروف مشابهة «إلى حد القول بأنه يمر بحالة نفسية كالتي تمر بها المرأة أثناء الطمث»، وبغض النظر عن هذا فإن تجربة المرأة تثبت أن الفروقات بينها وبين الرجل تماثلها فروقات بين الرجل والرجل والمرأة والمرأة، وأن الخصوصية لم تمنع نجاحها في حقل التعليم. ونظرًا لرسوخ الشعور بالتمايز النوعي قد تندفع المرأة نحو تأسيس كيانات خاصة بها، وهي بذلك تساهم في الإبقاء على المشكلة.
هذه الأطر التنظيمية تعزز من التمايز غير الصحي بين الرجل والمرأة، وتساهم في تعميق العزلة، وإن التجارب الناجحة تفرض مشاركة حقيقية دون تمييز. إن الدعوة لحضور المرأة في الاقتصاد ليس شكلًا من التماشي مع الموضة ولا من قبيل التعويض أو المجاملة، فليس مطلوبًا أن تظهر المرأة في المشهد الاقتصادي إلا من زاوية الإمكانية والتنافس، كما ينبغي أن نتعاطى مع الموضوع بمنطق التكامل في العمل بين المرأة والرجل لا التحارب بينهما للوصول إلى القمة. خلاصة القول: لقد تسببت الثقافة السلبية تجاه المرأة - تاريخيًا - في ابتعاد المرأة عن مجالات حيوية مثل العمل الاقتصادي ويبدو أن الرغبة في خلق كيانات نسائية يأتي في إطار إعادة الثقة لممارسة دور أكبر إلى جانب الرجل، ولكن الهدف لن يتحقق بهذه الكيانات بل بالاندماج وفتح الفضاء الاقتصادي العام أمام المرأة لتتولى مسؤوليات أكبر.