فقير في غناك..!
يأتي الإنسان للدنيا فقيرا، وبهذا الفقر يمضي، ويطوي، فلا أحد منا يخرج من الدنيا - غنيا - أو قويا، أو كبيرا..!. لكنها لحظات من القوة والغنى يتعاقب عليها الناس في أعمارهم... وزمان عبورهم في الدنيا.
ولهذا يكون الله ثم لا أحد معه، ولا أحد سواه - المفردة والدلالة.. التي تختزل الغنى كله وبتمامه، وتختزل الفقر لكل شيء إليه.. الفقر التام المستوعب للذات في كينونة روحها، وفي حياتها وفنائها، وفي قوة فعلها وفي القدرة عليه..!.
حتى تردد النفس يحكي قصة فقر حاضر يجهل الإنسان أيها سيكون النفس الأخير الذي يدخل إليه ثم لا يخرج منه.. أو يخرج عنه ثم لا يعود إليه.
جوهر هذا الفقر.. يجعلنا - ننشغل بكمال أنفسنا، أكثر من نقص غيرنا، فقد كانت هذه خطيئة إبليس التي تسببت في طرده وشقائه.. كان مشغولا على الدوام بغيره «أدم». ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ كان يرى نقص أدم قياسا بكماله.. كما كان يظن، وفيما كان يعتقد ويتصور.. ولو أن أبليس بلغ جوهر - التدين - وهو كمال النفس بمحبة الخير كل الخير لسائر الخلق.. لكانت عطايا الله عليه ستستمر وتبقى وتتضاعف.. إلا أنه ضعف ومني بمرض رؤية غيره أكثر من رؤيته لنفسه، وتركيزه على كمالها.
وكانت هذه الخطيئة العظيمة التي لا يكف عنها الكثير منا، إننا لم نعد نغمض أعيننا عن منقصة، ولم نعد نتجاوز عن زلة، وبتنا نتتبع ذنوبا أستتر عنا أصحابها حين أقترفوها، وبتنا وكأننا ننتشي كلما سقط أحد بالقرب منا، أو أنزاح عنه ستر كان يجلله بطلف الله به، عن عيون تتبع وتتطلب ولا تغض.
حقيقة تديننا يجب أن يظهر في طهارة الروح بحيث تكون جديرة بقرب الله، وبحبه، وبجواره، وبحضوره.. وهذا لا ينال، ولا يتحقق بكراهية الخلق.. ولا بفضح ذنوبهم، والشماتة بالساقطين منهم..!.
لأن الله يحب من يحب خلقه قال الله لموسى في خطابه لفرعون: ﴿قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾. إن الله يعلمنا أن نكره الذنوب والسيئات لا المذب ولا المسيء.. ولو كان فرعون، أن تكره الخطأ، الذنب، المعصية، وليس المخطئ، ولا المذنب، والعاصي..
كل شيء يتغير فينا ما عدى - قدرتنا على الحب - لغيرنا لا زلنا نغلق كل الأبواب الموصلة إليه، بدل أن نعيشه ونستزيد منه..!
لا زال الأكثر تدينا هو الأكثر إنشغالا بغيره، وغالبا هو قليل، الرحمة بمن حوله، وهو شاهد عظيم على ضعف الوعي الديني وهشاشته.
إن الخلاص دائما في العقول وفي القلوب.. لا في الألسنة.. في باطن النفس.. لا في ظاهر الصورة.. وإن من يبحث عن الله سيجده في قلبه، متى ما تتطهر القلب من كراهية الخلق، وبغض العباد..
ينبغي أن ندرك في نهاية الأمر أن القرب من الله بحق يطهر كل شيء، كل شيء، وأول المطهرين هو القلب، والنفس.. والروح... وحينها سيكون من العسير عليك جدا أن تكون وعاء للحقد أو الكراهية لأحد ولو كان على ذنب، أو مقيما على معصية.
فأنت وأنا وكل أحد غيرنا يكفيه فقره الذي يحمله.. عن محاسبة غيره، أو الحكم عليه.