باچه في «القدية»
في المسلسل الكوميدي الشهير «درب الزلق» يتجادل الأخوان «حسين» و«سعد» في أي المشاريع أفضل لاستثمار المبلغ الذي حصلا عليه نتيجة «تثمين» منزلهما القديم. «سعد» طرح مشروع محل لبيع «الباچه» «وهي لمن لا يعرفها وجبة شعبية عراقية الأًصل تنتشر في العراق وبعض دول الخليج، وتتكون من أرجل ورأس وأحشاء وحوايا خروف مسلوقة مع اختلاف في التفاصيل من مكان لآخر» بينما قدم شقيقه المشاكس «حسين» اعتراضاً ساخراً على المشروع مستغلاً صعوبة كتابة اسم المنتج «الباچه» فقال بتهكّم: بالله عليك كيف نكتبها..
باكه!. هذا المقطع المضحك حضر عندما قرأت خبراً عن مشروع المدينة الثقافية والرياضية والترفيهية التي تعتزم هيئة الترفيه إنشاءها في منطقة «القدية» جنوب غربي الرياض، وحضور قصة «الباچه» هنا له علاقة بالاسم، ولاهتمامي بالهويات التجارية تبادر إلى ذهني فوراً صعوبة كتابتها ونطقها للسائح باللغة الإنجليزية.
ولكن، ومع أهمية التسميات إلا لم تمثل يوماً عائقاً أمام نجاح كثير من المشاريع الاقتصادية ولا الوجهات السياحية في العالم، فهناك أسماء تستعصي على النطق لمناطق جذب سياحي كبير، ومثل «الباچه» قد ينجح مشروع «القدية» شرط توافر عوامل النجاح وهي كثيرة.
مشروع المدينة السياحية بادرة تحتاج إلى دعم كبير، فالسياحة لا تنجح بمجرد إنشاء مناطق ترفيه، أو بتنظيم مهرجان للتسوق، فهي من أدق وأعقد البرامج التي تتطلب اشتراطات كثيرة تشترك في تحقيقها كل الوزارات والهيئات، وفوق ذلك لا يمكن أن تنجح إذا لم يوفر الناس في أنفسهم مواصفات المجتمع السياحي.
السياحة تحتاج بيئة لنموها، ومن أهم مقوماتها إتقان المجتمع ممارسة السلوك السياحي، إذ من المعروف أن المجتمعات السياحية تساهم بشكل كبير في اجتذاب السائحين، ولهذا من الشائع تصنيف بعض المجتمعات ضمن المجتمعات غير السياحية، فهي تصر على استخدام لغتها حتى لو كانت من اللغات التي لا يتحدث بها سواها، أو أن تنظر إلى اللباس المغاير باعتباره لباساً غير لائق، ناهيك عن امتناع تلك المجتمعات عن تقديم العون أو المعلومات للسائح، وتتفاقم هذه السلبيات مع تنامي الشعور العنصري، أو النظرة السلبية تجاه الدين والمذهب والعرق.
ونستطيع القول بجزم أن القانون أوالتشريعات - رغم ما تمثل من أهمية في كل مناحي الحياة - لا يمكن أن تخلق بيئة أو مناخاً لنمو المشاريع والبرامج، وهذا يسري على البرامج السياحية، لذا فإن المهمة صعبة جداً وتتطلب تضافر الجهود لتوفير البيئة السياحية، وتأهيل المجتمع لتحمّل العادات والطبائع المختلفة للسائحين، سواءً من الداخل أو من الخارج.
ينبغي التذكير هنا بأن السياحة عنوان واسع لكثير من النشاطات، وهي مفتوحة لإضافة أشكال جديدة وهذا يعتمد على إبداع القائمين عليها، وكذلك على التفكير الاقتصادي المنفتح وقدرته على تحويل المكونات العادية إلى استثنائية قابلة للاستثمار، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى السياحة السوداء أو المعتمة التي حوّلت بعض المواقع ذات البعد السلبي في الذاكرة المجتمعية إلى معالم سياحية، فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل مسرح فودر - وهو الموقع الذي وقعت فيه عملية اغتيال الرئيس الأميركي إبراهيم لنكولن عام 1865 - إلى متحف يتضمن ممتلكاته والمسدس الذي استخدم في عملية الإغتيال.
خلاصة القول: نحن بحاجة إلى تنشيط السياحة وابتكار كل ما يدعمها لاجتذاب السائحين وتحقيق الأهداف الجميلة للسياحة، ولتنويع الموارد الاقتصادية بهدف تحقيق سيولة إضافية للموازنة، وهذا يتطلب اهتماماً من كافة الأطراف المعنية وتحقيق اشتراطات النجاح وهي كثيرة ومن أهمها البيئة والأخلاق السياحية والخدمات بما فيها مطاعم «الباچه».