العم فاهم
لم يكن ”العم فاهم“، يترك منزلاً أو ديوانية، إلا وأهداها الكم الكبير من ثقافته ووعيه، يصغي لهذا ويبتسم لذاك، يثري كل ساحاته، التي يزورها والتي لم يزرها، يغمض عينيه، سعيًا بزيارتها في المنام، حلمًا جميلاً، يشعره بأنه عنصرًا فاعلاً في مجتمعه ثقافيًا واجتماعيًا و- شخيرًا -، يمارس وظيفة المنبه الإلكتروني، يجلسهم من النوم، ليسارعوا بالقيام بأعمالهم. كل ما يميز ”العم فاهم“، أنه لم يكن يومًا ”ملقوفًا“، أو بالأحرى، إذا اتبعنا لغة المثقفين أو استعرنا من ”سوبر ماركت“ الأتيكيت، نقول بأنه لم يكن يومًا متطفلاً. لقد اشتق لقبه، تباعًا لمدى اتساع الأفق في عقله وانسيابية روحه الدافئة الحضن والاحتضان، لم يدع فنًا من الفنون، يحمله العتب، يقرأ بنهم، يشاهد باستمتاع، خصوصًا إذا كان ”الفسفس“ بجانبه، يزخرف ملابسه باهتمام بالغ، كأنما هو عريس ذاهب، لعريس مباركًا.
هكذا قرأته ذات تأمل، ”العم فاهم“، لغة من اللغات، تحمل بين أروقتها وزواياها تقديم خدماتها بلا كلل أو ملل، يحترم الصغير ويوقر الكبير، في ملامحه لا تبصر اعوجاج محياه أو انحدار شعرة أو ثمة تصنع، جمال طبيعي - يأبر ألبي شو مهضوم -. إن كلمة ”فاهم“، تأتي في ما تعطي، أن الفهم - بحسب معجم المعاني -، فاهم، فاعل من فَهِمَ، بمعنى أدركه وعلمه وأحسن تصوره واستوعبه. انتابني الهلع، حين قرأت هذه المعاني لمفردة ”فاهم“، لقد تركت ”العم فاهم“ في سوق السمك - لأنه لا يتقن قيادة السيارة ونظره ضعيف -، بعد أن طلب مني إيصاله، يستقضي لأسرته، بدأت مليًا التفكير في هذا المسمى، وهل يصدق توصيف الآخر بالفهم، وماهية مقياس الفهم، وهل ثمة مفارقة بين الثقافة، الوعي، الفهم، كلها تساؤلات، أدخلني فيها ”العم فاهم“، دون أن يشعر - تبًا لك عمو، وهقتني بنفسي وعقلي، لخبطتني -.
يقال بأن المشكلة، لا تكمن في حيثيات المشكلة، بقدر كونها تكمن في عدم مصداقية المفاهيم، ووضع المفهوم الغير مناسب في المكان، الذي نظن بأنه مناسب، لهذا يتحول عصير البرتقال إلى عصير بنكهة البيض - المسلوق -. هل سيبدع لنا رواد المطبخ والمطعم، ذات يوم عصيرًا بنكهة ”البيض المسلوق“، يبدو أن الفكرة غريبة، في لحظاتها الأولى، ولكنها ليست بمستحيلة، ألم تكن فكرة صعود الإنسان إلى الفضاء، كانت تعد ضربًا من الخيال في حينها، إلا أنه بعد ذلك أصبحت حقيقة. وعليه فإنه في هذا الزخم المعرفي بمختلف ألوانه ومشاربه، كذلك في الفسحة الخضراء في عالم الكتابة بكل قراطيسها وأدواتها، ثمة اختلاط مفاهيم، تحتاج إلى أن تقنن، فلا نطلي العقول بتوصيفات لا تكون التوافقية آنية، كأننا نطلي جدار شقة ما، استعدادًا لاحتضان زوجين، اجتهدوا في اختيار أثاثها - ولربما دفعوا كل الذي لديهما -، وأن لا نفتح النافذة لعقولنا، كي يسيرها الآخر برغم هشاشة فكره، ونفسيته المريضة، لابد أن نجعل من ثقافة ”العم فاهم“، أن تكون متزامنة لفظيًا ومعنى، أن يكون الإنسان ذو شخصية، لها مقومات الشخصية المستقلة، لأنه أمر حسن.
همسة: في عرفنا الاجتماعي، وأعمالنا الاجتماعية، التي نؤديها الكثير من المفاهيم المغلوطة، نسجناها نحن ومن سبقنا ومن سيأتي بعدنا، وجعلناها واقعيًا لها أحقيتها، في حين أنها تحتاج إلى غربلة، لتقنن، لا أن نتماشى معها.