وضاعت الضحكة في صخب الحياة
الضحك هو صورة أو شكل من أشكال التعبير عن المرح وردة فعل فسيولوجية تجاه موقف ساخر أو مضحك تصل حدته إلى إفراز الدموع، الضحك له تأثير السحر في تحسين أداء أعضاء الجسم بشكل عام، وقد أثبتت الدراسات أن الضحك ساهم في تخفيف بعض الأمراض الجسدية عن طريق زيادة مستوى إفرازات هرمون الجهاز المناعي للإنسان وطرد حالات الاكتاب، واستجابة البدن للضحك هي نقطة البداية في ذلك العلاج.
الضحك هو أحد أسلحة جلب المشاعر الإيجابية وتحسين الحياة الشخصية في ظل إيقاع الحياة المتسارع وضغوطات الحياة اليومية، يتجلى ذلك جليا في مقولة الفيلسوف اليوناني أرسطو «الضحك هو تمرين جسدي نفيس يقدم للصحة».
المثل السائد بين الناس «الضحك بلا سبب من قلة الأدب» ربما يحاكي علم المنطق الذي يفيد وجوب سبب منطقي يستوجب الضحك، بيد أننا في هذا الطرح لسنا في صدد ذلك الضحك الذي ينضوي تحت المظلة الأخلاقية والمعبر عن قلة الأدب والانتقاص بالآخرين، بل نحن في صدد ضحك نحتاجه نفسيا وفكريا، ضحك يجسده المثل السائد «اضحك تضحك لك الدنيا».
اعترف العلم في بداية القرن العشرين ب «علم نفس الضحك»، ويعزو إليه مفعولاً مزيلاً للتسمم المعنوي والجسدي، لأنه يساعد في التخلص من نوبات الاكتئاب البسيطة والمخاوف، ولجأ عديد من مستشفيات الأطفال في الدول الأوروبية إلى استقدام مهرجين لتسلية الأطفال من أجل رفع معنوياتهم في طور علاج الأمراض المستعصية.
في عام 1964 أصيب الدكتور في علم الأدب الغربي نورمان كوزينز بحالة متأخرة من الالتهاب الحاد في الأنسجة الموصلة بين فقرات العمود الفقري، وحدث له شبه شلل في قدميه ورقبته وظهره وعلى الرغم من شدة الألم وارتفاع درجة الحرارة، إلا أنه لم يستسلم لليأس وقرر أن يتبع وصفة قرأ عنها في الكتب القديمة شديدة المفعول تسمى «الضحك»، استمر في الضحك المتواصل لمدة 10 دقائق حول فكاهات وطرائف ومشاهد كوميدية ولاحظ أن الآلام الحادة تراجعت، كتب بعدها دراسة بعنوان «تشريح المرض»، شرح فيها أنه بمساعدة الضحك والمرح استطاع أن ينقذ حياته من أمراض خطيرة كان من الممكن أن تؤدي إلى موته، وقد أحدثت هذه الدراسة ضجة وجدلاً في الدوائر الطبية العالمية، وذكر في نهاية دراسته «أنه ليس بالدواء أو مشرط الجراح فقط قد يشفى الإنسان من أمراضه».
عديد من الدراسات تشير إلى أهمية الضحك لحماية أعضاء الجسد كالقلب، وتقوية جهاز المناعة، وعلاج لمرض السكر، وقيام الأوعية الدموية بوظائفها الطبيعية، ووقاية الدماغ من الشيخوخة، والتخفيف من الألم والقلق، ويساعد على الاسترخاء والنوم، وللتخلص من التوتر.
أسلوب الحياة العصرية طغى على مشاعر البشر وضاعت الضحكة في صخب الحياة، إيقاع الحياة المتسارع والواجبات المنوطة بنا وراء كثير من الأمراض الخطيرة، الضغوطات المادية والقلق والتوتر والضجيج والازدحام واختناق وسائل المواصلات التي نعيش تحت رحمتها تعرضنا لكثير من الأمراض ومن ثم أصبحنا بحاجة ماسة لوجبة دسمة من الضحك بين الحين والآخر، وكأن العلم أثبت بأن الضحك هو زيت الحياة القائم على ديمومتها، وأؤكد بأن الحياة ستكون أجمل بالترابط والمحبة بين الأصدقاء والأحباب لما لهم من مكانة عظيمة في النفس والوجدان، ولا تحلو الدنيا إلا بهم، هم السعادة وهم الوطن وهم المشاعر الجميلة والابتسامة والضحكة على حد سواء.