بحثاً عن الحشمة والحياء
الحياء عند المرأة فطرة حاضرة، والزيغ عنه يحتاج إلى تمرد وعناد، وفي الكثير من صوره يستعين بالمكابرة والكثير من التغافل، ضمن إشارة قرآنية يمكن تسيّلها على عديد من تصرفات الإنسان «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ».
في الحياء والحشمة كسلوكين أخلاقيين لا تحتاج المرأة إلى إسلام يردعها وينهاها عن تسليع نفسها، والعرض المجاني الممجوج لمفاتنها تحت مختلف المبررات والعناوين، ولا يلزمها سن تشريعات الحجاب والستر - إلا لإيضاح الحدود فقط - كما لا تلزمها تعاليم السيد المسيح، ولا تعاليم بقية الأديان والرسالات السماوية، بل أن كل ما يلزمها هو الرجوع إلى فطرتها، لتكتشف أنها لم تخلق لتعامل نفسها بهذا النحو، أو لتقبل ما يرسمه الزمان لها من صور تبقيها في دائرة الغرائز والمفاتن والجنس.
وقعت عيني يوم الخميس الماضي الموافق 23 اغسطس/آب العام 2012 على خبر هز وجداني، نقلته جريدة الأخبار اللبنانية، تقول في مقدمته «من خارج السياق العام للأحداث، نكتشف فجأةً تجمّعاً تنظّمه مجموعة من الشبان والشابات، منذ أكثر من شهرين، عند أوتوستراد جونيه الساحلي. مطلب المجموعة واضح: الاحتجاج على الإعلانات غير اللائقة بحقّ المرأة التي تجتاح الأوتوستراد والقنوات التلفزيونية».
الشابات مسيحيات وقد خرجن في تجمع عفوي، وكما يلاحظ في الخبر أن الإعلام اكتشف نشاطهن بعد شهرين من استمرار تجمعهن في ذلك المكان، ليعبرن عن رفضهن العملي لواقع المرأة التي قبلت تسليع نفسها، وبيع كرامتها بأبخس الأثمان.
لم يتحرك شعور الحشمة والحياء فيهن ليلتزمن به وكفى، بل شعرن بالمسئولية الأخلاقية أمام حواء، فمضين يعملن بروح جادة للتذكير ولفت الانتباه لتعود المرأة وتنقد أنوثتها وكرامتها.
هزّ هؤلاء النسوة ومعهن مجموعة من الشباب تلك الإعلانات الضخمة للنساء وهن في وضع عار ومبتذل ليروجن لمنتجات وسلع سوقية متعددة، وهالهم جميعاً أن يألف أولادهم وبناتهم هذه المناظر التي تغطي المناطق المسيحية، بالإضافة إلى الفضائيات المسيحية التي يغلب عليها هذا الطابع كما نقلت جريدة الأخبار نقلاً عن هؤلاء النشطاء الأخلاقيين.
إنها صورة مشرقة للوقوف أمام التطبيع القائم لوضع المرأة، المخل بكرامتها، والممتهن لإنسانيتها، هذه الصورة تحتاج إلى صور أخرى تكمل حضارية المشهد لإيقاظ روح الحشمة والحياء عند المرأة، ذلك أن الصمت والسكون أمام هذا الواقع المنحل يعطي له القدرة على الامتداد والتأثير أكثر في أجيالنا المقبلة.
ولعل صورة من صور القبول، والدخول في هذه المتاهة اللاأخلاقية في وضعنا الديني الإسلامي، هو التأثر الذي أصاب فتياتنا في العمق - وإن اختلفنا في درجته - ودفع بعض المحجبات إلى ما يسمى بالحجاب العصري، أو حجاب الموضة، وهو في أقل مستويات تأثيره، يحرم المرأة من الحشمة الحقيقة والحفاظ على جسدها ومفاتنها أمام الرجل.
أتصور أن مبادرة تلك المجموعة من الشبان والشابات تحتاج إلى حديث أوسع من هذا الاختصار كي نتلقفها، ونعطيها حجمها ودعمها الذي تستحقة، ولنا في الأسبوع القادم لقاء في ذات السياق.